ليابان بقعة توجد في ذات الكوكب الذي نعيش فيه، وتحْكُمها القوانين ذاتها التي تسري على دوَل العالَم كافَّة. ولكن حين يَعدُّ البعض دولة اليابان ككيان متفرِّد عن غيرها من الدوَل فلا عجب في ذلك البتَّة. ولو تساءلنا عن سِرِّ هذا التميُّز والتفرُّد عن بقيَّة الدوَل التي كانت تعيش ظروفًا مشابهة لظروف المُجتمع الياباني وربَّما أفضل مِنها؛ كون أنَّ أحداث الحرب العالميَّة الثانية والقنبلتين النوويَّتين اللتَيْنِ أُلقيَتا على مدينتَيْنِ مُهمَّتَيْنِ في تلك الحقبة؛ قَدْ أثَّرت أيَّما تأثير على الدولة عامَّة وأخذت سنين لِتَبنيَ لها كيانًا مستقلًّا ومميزًا. نَعْلَم أنَّ الياباني يرسم ابتسامة رضا عند لقائه بشخصٍ ربَّما استوقفه ليسأله عن مكان مُعيَّن أو لأيِّ سببٍ آخر، وستَجِدُه مُرحِّبًا بأيِّ فردٍ يريد المساعدة في أغلب الأحوال، وتحيَّة الانحناء التي يقوم بها اليابانيون تعبيرًا عن ثقافة اكتسبوها منذ نعومة أظفارهم، وانحناء الاعتذار أيضًا يختلف عن التحيَّة، حيث تكُونُ بشكلٍ أكبر بدرجة (45) مع إبداء الأسف في ملامح الوَجْه والحزن في حالات معيَّنة.
أمَّا شكر الآخرين فهو مقدَّس لدَيْهم، ومَن لا يفعل ذلك يكُونُ منبوذًا بَيْنَ أقرانه، وكلمة (أريجاتو) التي تَعني شكرًا لك بالياباني هي الكلمة الأكثر استخدامًا لدى اليابانيين تعبيرًا مِنْهم لفضل الآخر عليهم، ودأب اليابانيون على الإصرار على تحقيق أعلى الطموحات بالتزام الجميع بعمل جماعي متقَن، وبتوافر كافَّة سُبل الإبداع للموظف، وتهيئة بيئات عمل جاذبة، والاهتمام بالقيادات وتدريبها التَّدريب الكافي.
إنَّ مبادئ الاحترام وتقدير الآخرين وبثَّ ثقافة الشُّكر بَيْنَ الجميع لهي عوامل أسْهَمتْ بشكلٍ رئيسٍ على بروز النَّهضة الصناعيَّة التي شهدتها اليابان في سنين تُعدُّ قليلةً مقارنةً بما تَحقَّق من إنجازات.
فالمُجتمعات التي يُقدَّر فيها المبدع ويَشعُر فعلًا أنَّ العمل الذي قام به محلَّ ترحيب ويجدُ مَن يُقدِّم له الشُّكر والثَّناء يُحفِّزه لفعلٍ أكثر ممَّا قام به، هذا العمل حتى وإنْ كان بسيطًا حتمًا سيُؤثِّر به ويُعزِّز من قدراته على فعل الأفضل، أمَّا إنْ رُكِنَ جانبًا وكأنَّه لَمْ يَقُمْ بشيء فمؤكَّد أنَّ هالة الإبداع ستنطفئ في داخله.
إنَّ نشْرَنا لهذه الثقافة في مُجتمعاتنا يؤمِّن لنَا جيلًا مبدعًا معطاءً يخدم وطنه ويُحقِّق طموح قيادته، ويؤمِّن له بيئة خصبة للتميُّز والتفرُّد. وختامًا أشكرك ـ عزيزي القارئ ـ أنْتَ أيضًا على تخصيص وقتك لقراءة هذا المقال وأقول لك بالياباني (أريجاتو).
علي النعماني
alijameel1000@gmail.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن
