كشف المؤتمر الصحفي الثاني عشر للجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا “كوفيد 19” عن وجود امتعاض كبير جدًّا جراء ارتفاع منحنى الإصابات المسجلة داخل السلطنة، وارتفاع أعداد العمانيين المصابين بالفيروس مقابل أعداد غير العمانيين، حيث بدت لغة الاستهجان المعبِّرة عن هذا الامتعاض واضحة في استخدام أعضاء اللجنة المشاركين في المؤتمر الصحفي كلمات من الدارج المحلي، مع التلويح بإعادة إغلاق أنشطة تجارية وصناعية، وتغليظ العقوبات الموقعة بحق كل من يتهاون ويستهتر.
لم يكن معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحية مضطرًّا إلى اللجوء إلى استعمال كلمات من الدارج المحلي للتغيير من رتابة المؤتمر، أو محاولةً منه لإضفاء نوع من الأساليب التي يتبعها عادة المدربون في الدورات للحفاظ على تركيز المشاركين ونشاطهم ومتابعتهم، لولا وجود أمر بالغ الأهمية ومستهجن، وبالتالي لا بد من الاستعانة بالدارج المحلي من قبيل كلمة “تمنكيرة” لتقريب الفهم والصورة، ومحاولة إحداث نوع من الصدمات اللُّغوية لاستنهاض الوعي، وإيقاظ الضمير الإنساني مخافة أن يبقى رهينةً بِيَدِ لذَّاتٍ سِلَعيةٍ آنيةٍ مقابل خسارة حياة بأكملها، والتسبب في إحداث نكسات اقتصادية واجتماعية وصحية، وإلا فإن معالي وزير الصحة كما بدا خلال جميع المؤتمرات الصحفية أنه يمتلك المهارة في إدارة مثل هذه المؤتمرات الصحفية، ويتمتع بقدرة كبيرة على القبض بمفاصل الحديث مع تراتبية الأفكار، وتقديم الشرح الوافي أمام كل مفصل من مفاصل المؤتمر مستخدمًا اللغتين العربية والإنجليزية.
وبالعودة إلى كلمة “تمنكيرة” التي لجأ إلى استعمالها معالي وزير الصحة، فقد ورد في حضرة هذه الكلمة أن أحد الموظفين تمنكر تمنكرًا كبيرًا مع زملائه في العمل، وذلك في معرض تنبيه معاليه إلى عدم “التمنكر” واختلاق الأعذار قائلًا: لا نريد أحدًا أيضًا يتمنكر ويجلس في البيت بس لأنه عنده عذر، أنا أثق في الناس، في المقابل عندك أعراض وتطلع إلى العمل بدون ارتداء الكمامة وتدخل المكتب وتصافح زملاءك وبعد المصافحة تقول: إن زوجتي مصابة. ماذا نسمي هذا؟ حصلت.
إن الامتعاض الكبير الذي بدا في ثنايا المؤتمر الصحفي لأعضاء اللجنة العليا ليس مقصورًا على اللجنة وأعضائها، وإنما يشمل المجتمع، وحين أقول المجتمع إنما أعني أولئك الذين يمتلكون قواميس الوعي، وناصية الالتزام والتقيد والمسؤولية الوطنية، والذين نظروا إلى الحياة والصحة والعافية على أنها نعمة من نعم الله تستوجب الشكر الذي إحدى صور الوفاء به والتعبير عنه هي المحافظة عليها، والذين استشعروا عظمة المسؤولية الأخلاقية والشرعية والإنسانية والذنب الذي سوف يلاحقهم في حياتهم وبعد مماتهم إن تسببوا في إصابة أنفسهم بعدوى فيروس “كوفيد 19” القاتل، ثم ـ لا سمح الله ـ التسبب في الوفاة، أو التسبب في نقل العدوى إلى أحبائهم وأقربائهم وفلذات أكبادهم، وأفراد مجتمعهم، والتسبب في وفاتهم أو وفاة أحدهم ـ لا قدر الله. فهؤلاء الواعون المتحلون بالمسؤولية يعلمون تمامًا أن صفحاتهم لن تكون ناصعة البياض إذا جرُّوا إثمًا أو ارتكبوا ذنبًا بحق أنفسهم وغيرهم، فالذي يستهتر ويتهاون وغير مبالٍ ويعرض حياته وصحته للخطر ألا يُلقي بنفسه إلى التهلكة؟ كما أن هناك أحاديث نبوية وردت في بيان حكم من يهلك نفسه عمدًا، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
لذلك على “المتمنكر” أن يتذكر أن “تمنكره” سيرتد على نفسه أولًا، ثم فلذات أكباده وأحبابه وأقربائه، وأفراد مجتمعه، وأن يتذكر “ولات حين مندم”، كما عليه أن يعي أن استهتاره وتهاونه وعدم مبالاته ستُرهق البلاد ومؤسساتها كافة، فاستمرار منحنى الإصابات في الارتفاع متجاوزًا ألف إصابة سيعني إنهاك خزينة البلاد، وتوقف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وعجز المؤسسات الصحية عن القيام بعملها ـ لا سمح الله ـ وبالتالي توقف الحياة، لذا على “المتمنكرين” أن يتوقفوا عن “تمنكرهم” ويتحلوا بالمسؤولية ويستشعروا قيمة نعمة الصحة والحياة والسعادة والطمأنينة والاستقرار بين الأهل والأحباب والأصحاب.
خميس بن حبيب التوبي
khamisaltobi@yahoo.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن