خميس التوبي
تكتمل صورة المخطط الأميركي في المنطقة من خلال معطياته الحاصلة في كل من العراق وسوريا لكونهما يشكلان أولوية قصوى للتحالف الصهيو ـ أميركي الاستراتيجي ومن معه من الأدوات والخدم، لقطع أوصال محور المقاومة، وتجويف الجغرافيا العراقية والسورية، عبر تعزيز الوجود العسكري الأميركي في منطقة الوسط والغرب بالعراق (انطلاقًا من بغداد والموصل وحتى الأنبار) ومناطق الشرق في سوريا (انطلاقًا من الرقة ودير الزور وعين العرب والحسكة والقامشلي)، ليتكامل مع الدور الذي تلعبه العصابات الإرهابية في القطريْنِ العربييْنِ كـ”داعش والنصرة وأحرار الشام وجيش الفتح وجيش الإسلام ولواء السلطان مراد” وغيرها من العصابات في هذه المرحلة، أو ربما يقتصر ـ فيما بعد على الأقل ـ على الوجود العسكري الأميركي الذي يوالي انتشاره وتوسعه التدريجيين في الجغرافيا العراقية والسورية بزعم محاربة الإرهاب.
التطورات المتلاحقة في كل من العراق وسوريا بقدر ما تعكس حالة الارتباك لدى إدارة الرئيس باراك أوباما من أي مفاجأة يبديها محور المقاومة بالتعاون مع روسيا الاتحادية، بقدر ما تُعبِّر عن الرغبة في السرعة نحو حصد إنجازات ميدانية ذات طبيعة مؤثرة، تحقق لها تقطيع أواصر محور المقاومة وقطع الأوكسجين عن المقاومة في لبنان وفلسطين، ومنها:
أولًا: سلخ محافظة الرقة عن الوطن السوري الأم بكذبة تطهيرها من تنظيم “داعش” الإرهابي الذي لا تزال الولايات المتحدة وذيولها تقدم له المزيد من الدعم ليتوحش، ويواصل صناعة المبررات وتحقيق الأهداف التي من أجلها أنتجته المخابرات الأميركية ـ الصهيونية وتكفل البترودولار والعثمانية الجديدة بالتمويل، الأمر الذي (أي سلخ الرقة عن الوطن السوري الأم) سيسمح لإدارة أوباما بحصدها ورقتين رابحتين؛ الأولى تتمثل في إعطاء سياسة الابتزاز والاحتيال والمراوغة قوة دفع نحو التفاهمات مع موسكو، والضغط بتعديلها لصالح معسكر التآمر والإرهاب ضد سوريا الذي تقوده واشنطن، يسمح لها بفرض شروطها على طاولة التفاوض وفق ما يخدم المخطط من التدخل الإرهابي في سوريا، ويوفر الظروف الملائمة لتوسع مشروع الاحتلال الصهيوني في المنطقة وهيمنته عليها. أما الورقة الثانية، فتتمثل في تسويق إنجاز إعلامي كاذب لخداع الرأي العام الأميركي وأن “تحرير” الرقة من “داعش” يشكل باكورة نجاح استراتيجية أوباما وتحالفها الستيني لمواجهة التنظيم الإرهابي.
ثانيًا: “تحرير” مدينة الفلوجة العراقية من قبضة تنظيم “داعش” الإرهابي، وإن كان مرتبطًا أميركيًّا بما سبق حول سلخ مدينة الرقة السورية، بتسويقه إعلاميًّا لدواعي دعم الحمار في مواجهة الفيل في السباق الانتخابي الرئاسي، إلا أن البدء بالفلوجة بعد أن كانت الوجهة بداية نحو تحرير الموصل، وبمباركة أميركية، جاء ليقطع الطريق على التحركات الشعبية التي يقودها التيار الصدري والتي تهدد حكومة حيدر العبادي الذي يحظى بالثقة الأميركية؛ لكونه واحدًا من مزدوجي الجنسية الأميركية والعراقية الذين جاءت بهم واشنطن خلفاء لها لتسيير أمور العراق. وإمعانًا منها في الفتنة وكنوع من الانتقام، منعت تقديم الدعم للقوات العراقية بزعم مشاركة الحشد الشعبي، لكي تكرس صورة الطائفية الممجوجة وإظهار ما يحدث في الفلوجة وكأنها حرب بين “السنة والشيعة”. وأما تأجيل “تحرير” الموصل إلى مرحلة لاحقة فواضح أنه راجع إلى قرار أميركي ارتباطًا بالاستعدادات الجارية لـ”تحرير” الرقة السورية، ذلك أن الموصل والرقة تمثلان خزانين ضخمين لتنظيم “داعش”، فضلًا عن استعدادات التنظيم في المدينتين، ما قد يتسبب في تغيرات ميدانية تنعكس فشلًا لدى المعسكر الأميركي في حال تزامنت العمليات باتجاههما، وهذا بالنتيجة سوف يعطي سوريا وحلفاءها نقاطًا إضافية.
ثالثًا: رفض واشنطن مشاركة موسكو في عمليات استهداف ما يسمى “جبهة النصرة” أو التنسيق معها في معركة الرقة التي تتحضر لها واشنطن بالتعاون مع ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، فهذا يعزز النظرة بأن الولايات المتحدة تسعى إلى إغراق سوريا وحلفائها في حرب استنزاف طويلة مع ما يسمى “جبهة النصرة” ومن معها من العصابات الإرهابية، والإيعاز لذيولها من الأدوات والخدام لتقديم التمويل اللازم.
وبالنظر إلى طبيعة التحرك والأداء، وما قلناه عن أن الولايات المتحدة تحث الخطى نحو تجويف الجغرافيا العراقية والسورية لتقطيع أوصال محور المقاومة وقطع الأوكسجين تمامًا عن المقاومة في لبنان وفلسطين، فتبدو القوة العظمى عازمة على إنشاء منطقة فاصلة بين العراق وسوريا تبدأ بالأنبار وتلتقي مع الرقة ودير الزور، في حين تتكفل بالباقي العصابات الإرهابية المصنفة أميركيًّا بـ”المعتدلة”، بالإضافة إلى “جبهة النصرة” التي لاتزال الإرادة تمضي نحو تعويم إرهابها، بخنق الأنفاس والتضييق على المقاومة، ومواصلة عملية التدمير للدولة السورية.
وفي التقدير أن هذا المخطط لن يغفل عنه محور المقاومة، كما أنه لن يكتب له النجاح في ضوء تصريحات قيادات محور المقاومة وتأكيدهم أن سوريا ستنتصر، وبالتالي انتصار سوريا هو انتصار العراق، وانتصار الأخير انتصار لمحور المقاومة.