خميس التوبي
على وقع الخطى نحو مؤتمر جنيف الثاني العتيد ـ إن قدر له الانعقاد ـ وتحضيرات الإعداد الجارية، تبرز إلى الواجهة ثلاث حقائق تختلف صيغة التوصيف حولها وفق طبيعة الواقف خلفها ونمط تفكيره وحقيقة توجهه:
الأولى: إن مؤتمر جنيف الثاني ليس الهدف أو الوسيلة المثلى للوصول إلى المبتغى من قبل أطراف المؤامرة، بل إنه لم يكن واردًا في أبجديات تلك الأطراف ما دام لا يلبي المبتغى وهو إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد؛ أيقونة استقرار سوريا وضمان وحدتها وسلامتها من التفكك، والذي لا يزال يجيد لعبة السياسة في إدارة الأزمة بما يحفظ وحدة سوريا، لذا لم يجد المتآمرون أمامهم من خيار سوى عرقلة انعقاد المؤتمر في ظل التعثر الواضح وحالات البؤس واليأس والانكسار التي ألمَّت بأطراف المؤامرة بعد خسران الرهان على الإرهاب وأدواته سبيلًا في تحقيق الهدف والمبتغى الأكبر وهو تدمير سوريا، وفي أضعف الأحوال الحصول على ورقة على الأرض يمكن أن يفاوضوا بها، وذلك بسبب الصمود الأسطوري للشعب السوري والأداء البطولي للجيش العربي السوري في ملاحقة عصابات الإرهاب التي تتلقى على يديه يوميًّا ضربات موجعة، بالإضافة إلى حالات الانكشاف لحقيقة المؤامرة أمام الشعب السوري بعد مدة السنة والنصف إلى السنتين استطاع خلالها المتآمرون إخفاءها، موظفين في ذلك آلتهم الإعلامية المشبوهة وأبواقهم العميلة ودعاياتهم الكاذبة.
لذلك لم يجد هؤلاء المتآمرون وسيلة لعرقلة المؤتمر غير تبادل الأدوار بينهم وبين أدواتهم وعملائهم في محاولة تعطيل فرص انعقاده وذلك بهدف كسب الوقت لعل أيام إرهابهم الذي دعموه تجود عليهم بشيء يحفظون به ماء وجوههم، ويسترون به عوراتهم، وذلك من خلال المماطلة والمراوغة ووضع الشروط التعجيزية من قبل الأدوات والعملاء ليتدخل الأصيل متظاهرًا بأنه يمارس ضغوطه على العميل لدفعه نحو المشاركة في المؤتمر، في استخفاف واضح بالعقول، وابتزاز بين لسوريا ومن يدعمها؛ لأنه في الواقع لا قيمة للوفد الذي ستشارك به صنيعة الأصيل، فالأخير هو من سيفاوض لكونه هو المعني أولًا وأخيرًا بالنتيجة وليس الصنيعة والعميل.
إذن، يعتقد الطرف الأصيل المتآمر أن استمرار التعطيل للحل السياسي يقابله استمرار التدمير والتخريب والتشريد وهذا هو المطلوب بالأساس ولا غيره.
الحقيقة الثانية: جميع التقارير التي قدمتها الأمم المتحدة ممثلة في مسؤولة حقوق الإنسان نافي بيلاي ضد سوريا حول أعداد الضحايا والمشردين بهدف إدانة دمشق غير دقيقة وليست في محلها، بل فيها تحيز واضح لصالح المتآمرين وأدواتهم الإرهابية، ويمكن استنتاج هذه الحقيقة من خلال ما يلي:
الأول: تحذير نافي بيلاي ذاتها للعصابات الإرهابية من أن أعمال الإعدام الجماعية التي تقوم بها في شمال سوريا يمكن أن تعد “جرائم حرب”، حيث تؤكد “تقارير حدوث حالات إعدام جماعي متتالية لمدنيين ومقاتلين لم يعودوا يشاركون في الأعمال العدائية في حلب وإدلب والرقة من جانب جماعات المعارضة المسلحة المتشددة في سوريا، وبصفة خاصة الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وأنها “يمكن أن تعد “جرائم حرب” ويمكن أن يتعرض منفذوها لملاحقة قضائية”.
الثاني: تفيد تقارير لوسائل إعلام قوى إقليمية في معسكر المؤامرة ومتعاونة مع عصابات الإرهاب وموثقة بشهادات مدنيين سوريين بأن ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الإرهابي يعتقل المئات من المدنيين في مدينة جرابلس في محافظة حلب بحجة مساعدتهم خصمها الإرهابي المسمى تنظيم “الجبهة الإسلامية”، وتسود مخاوف من قيام التنظيم الإرهابي بإعدام هؤلاء المعتقلين على غرار ما فعل بهم في المعسكرات التي خسرها في مواجهاته السابقة مع خصومه من التنظيمات الإرهابية الأخرى، كما تفيد التقارير بأن ما يسمى تنظيم (داعش) يمنع دفن جثث الذين سقطوا خلال الاشتباكات في المدينة، وجوارها، في مسعى لبث الرعب في نفوس الأهالي وثنيهم عن تقديم المساعدة، والدعم لتنظيم ما يسمى “الجبهة الإسلامية” الإرهابي. فطرابلس وحدها تحتضن سبعة مخيمات للاجئين السوريين، يشكل النساء والأطفال غالبية سكانها.
وطبعًا يضاف إلى هذه الجرائم تلك الجرائم التي ارتكبتها تلك التنظيمات الإرهابية جميعها بحق المواطنين السوريين الرافضين للإرهاب الذين حاول الإرهابيون إجبارهم على تلطيخ أيديهم بالدماء وإشراكهم في تدمير وطنهم من خلال الإعدامات الميدانية، وكذلك جرائمهم بحق عناصر قوات حفظ النظام والجيش السوريين. وقد ظلت هذه الحقائق المؤلمة إما طي الكتمان حيث العثور على المقابر الجماعية فيما بعد أو إلصاقها بالجيش العربي السوري، ولم تظهر إلا بعد استعار نار إرهابهم بينهم لتنطبق عليهم مقولة “إذا تخاصم اللصان ظهر المسروق”، وهذا يقودنا إلى مجازر الحولة ودير الزور وحماة ودرعا وغيرها التي ارتكبتها عصابات الإرهاب وتم إلصاقها بالجيش العربي السوري وتوظيفها في التحريض على سوريا من أجل التدخل العسكري الأجنبي المباشر، والتي بسببها ارتعدت فرائص نافي بيلاي مسؤولة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة واقشعر بدنها وهي تلقي تقاريرها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية وفي مؤتمراتها الصحفية متهمة الحكومة السورية، متوهمة أنها قد أتت بما لم تأتِ به الأوائل.
وما يحز في النفس أن نافي بيلاي رغم التقارير الموثقة عن جرائم التنظيمات الإرهابية في سوريا لا تزال في طور التحذير وأن تلك الجرائم “يمكن أن تعد جرائم حرب”، إنها مفارقة وأسلوب رخيص تتبعه الأمم المتحدة لا سيما حين يتعلق الأمر بدماء العرب والمسلمين.
الحقيقة الثالثة: الخطة الأمنية التي أعلن عن تقديمها وليد المعلم وزير الخارجية السوري إلى نظيره الروسي سيرجي لافروف حول مدينة حلب تكشف بوضوح تام بين من يدافع عن الشعب السوري ويتحمل مسؤولية ذلك، ويعمل على تأمين مستلزماته واحتياجاته، وبين من يقتله ويطرده من مدنه وقراه ويستولي على لقمة عيشه. كما ستكون مرآة كاشفة لحقيقة تلك العصابات الإرهابية التي ادعت أنها جاءت وجندت لأجل مساعدة الشعب السوري، حيث المطلوب وقف العمليات العسكرية وتحييد المناطق التي تتواجد بها عصابات المعارضة التي يعد وجودها بسيطًا مقابل ما يسمى “داعش” و”النصرة” لتأمين إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية، وهنا لن يكون بمقدورها لعب هذا الدور، وهذا وحده اختبار حقيقي للمدعين والمتاجرين بدماء وحقوق الشعب السوري.