خميس التوبي
قد تكون إجابة السؤال معلقة لدى ممن لم تتضح لديه الرؤية انتظارًا لانقشاع دخان الحرائق المشتعلة في المدينة الجميلة العاصمة الاقتصادية للدولة السورية، لكن بالاستناد إلى الوقائع على الأرض لا تحتاج الإجابة إلى عناء جهد في التفكير، في وقت تُثار فيه الزوابع والتكهنات عن مغامرات عسكرية تلوح في سماء سوريا وقد تشمل المنطقة، على خلفية معطيات تتحرك في اتجاهات مختلفة ومتباينة، ووسط حسابات لا تستقر على معادلة واحدة بقدر ما تحاكي سلسلة لا تنتهي من الاحتمالات المفتوحة على المجهول.
التصعيد الإرهابي الذي يقوده معسكر التآمر والإرهاب بقيادة المايسترو الصهيو ـ أميركي عبر أذرعه وعملائه ووكلائه وأدواته في سوريا ومن حلب الشهباء، قد يكون أحد إرهاصات هذه الحرب التي يعد لها المستعمرون القدماء والجدد وسماسرة الحروب وتجار حقوق الإنسان من خلال تلك الأذرع والأدوات، وعبر أولئك الخونة والعملاء والوكلاء، للبرهنة على التحول الجديد في العلاقات بينهم من السر إلى العلن، وللتدليل على أنها علاقة متجذرة في عمق التاريخ، وأن ما يحدث الآن من كي الدول العربية ومدنها التاريخية التي تقف على مسافة بعيدة من أولئك المستعمرين والسماسرة والتجار وسياساتهم التدميرية، وإرواء أحيائها بدماء أهلها الأبرياء هو تأصيل لها.
وبالاحتكام إلى الوقائع السياسية والميدانية تصبح إجابة السؤال السابق متدلية وفي مقدور الجميع الوصول إليها رغم الفبركات والأكاذيب والغبار المفتعل:
أولًا: إذا كان الحل السياسي الموثق رسميًّا ودوليًّا بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2254) هو الجسر الموصل إلى بر الأمان لجميع مكونات الشعب السوري، وهو الضمانة الوحيدة لبقاء سوريا موحدة ومستقلة وذات سيادة، وهو المظلة التي يستظل بها جميعهم، فلماذا يتم تعطيل مسار هذا الحل؟ وهل الانسحاب المفتعل لـ “لمعارضات” من محادثات مؤتمر جنيف والذي وصفه ستافان دي ميستورا المبعوث الأممي إلى سوريا بـ”الاستعراضي” له ما يبرره؟ إنه من أجل التعطيل، ولهذا اتجهت إرادة المتآمرين إلى صناعة وكلاء وأدوات أطلقوا عليهم مسمى “معارضة”، ذلك أن ما ساقته هذه “المعارضات/الواجهات” من مبررات لتبرير انسحابهم لا تخدم الحل المراد بقدر ما يسعى أصحابها إلى هدم كل أسس الحل السياسي.
فالتمسك برحيل الرئيس السوري بشار الأسد أو القبول ببقائه مقابل صلاحيات محدودة في هيئة حكم انتقالي، هو قفز على الوسائل الشرعية والسلمية والضامنة لعملية الانتقال السياسي السلس عبر شرعية صندوق الانتخاب، وبالتالي كل ما يريده ويسعى إليه معشر المتآمرين عبر عملائهم وأذنابهم هو هدم المعبد على رؤوس جميع المهتمين بالحل السياسي والساعين إليه؛ لأن هذا الحل يجب أن يرتكز على شرعية الانتخابات، وهذا ما لا يريدونه، لأنهم واثقون أنهم سيكونون خارج المعادلة وإلى مزابل التاريخ بعد أن يلفظهم الشعب السوري.
ثانيًا: التصعيد الإرهابي من قبل معسكر التآمر والإرهاب في مدينة حلب هو الجزء المكمل للجزء السياسي.
فالمعطيات تشير إلى أن هذه المدينة العريقة قد تكون ساحة حرب عالمية ثالثة صغرى قد يمتد شررها إلى المنطقة، حيث تعد معركة حلب آخر المعارك بالنسبة للتركي ومن معه من العرب، وحسمها من قبل الجيش العربي السوري لصالحه، يعني تلقائيًّا هزيمة نكراء يُمنى بها المشروع الصهيو ـ أميركي وتحالفاته الجديدة بعقائده وخلفياته الطائفية والدينية، ذلك أن الاعتقاد لدى المتآمرين أن تدمر ستكون هي المقبرة للجيش العربي السوري، لكن خيباتهم كانت أسرع من تمنياتهم وأمانيهم، فقد فتح تطهير مدينة تدمر الطريق نحو تطهير ما تبقى من المحافظات الملوثة بالإرهاب القاعدي وهي حلب ودير الزور والرقة.
ثالثًا: ما يجري في مدينة حلب من تصعيد إرهابي تقوم به ما يسمى “جبهة النصرة” ويتعاون معها باقي العصابات الإرهابية التي تسميها واشنطن “معارضة معتدلة”، والهدف من ذلك هو محاولة الخاسرين والمهزومين والمنكسرين من المتآمرين على سوريا الإمساك بآخر ورقة من الجغرافيا السورية وهي مدينة حلب، وهذا لا يتأتى لهم إلا عبر محاولة تعويم إرهاب “جبهة النصرة” لاستثنائها من الهدنة، واعتبارها مع من انضم إليها من العصابات الإرهاب المصنفة أميركيًّا “معتدلة”، في حين تتحرك الدبلوماسية الروسية سياسيًّا وميدانيًّا على عدم خرق قرارات مجلس الأمن الدولي المصنِّفة لكل من “داعش والنصرة” تنظيمين إرهابيين، وتجرِّم التعامل معهما أو دعمها.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن محاولة تعويم إرهاب “النصرة” وإشراكه في وفد معارضة الرياض، هو خطوة مواجهة موازية لمسعى موسكو اعتبار ما يسمى “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” تنظيمين إرهابيين؛ لإدانتهما بجرائم إرهابية وتحالفهما مع إرهاب القاعدة بذراعيه “داعش والنصرة”.رابعًا: لما كان الدور الإعلامي هو جزءًا أصيلًا من المؤامرة المدبرة ضد سوريا، فإن التصعيد الحاصل في عمليات القذف والتشويه والفبركة والتدليس ليس شيئًا طارئًا أو جديدًا، وإنما هو أمر تفرضه ضرورة تغطية التصعيد الإرهابي الذي تقوم ما تسمى “جبهة النصرة” ومن معها من العصابات الإرهابية، باتهام الجيش العربي السوري بارتكابها.
ومن نجح أن يُكوِّنَ هذا العدد الهائل من العصابات الإرهابية ويزرعها في أرض سوريا والمنطقة ويعلفها بتقديم كل ما تحتاجه لتتوحش، لن يكون عاجزًا عن تجنيد أضعاف هذه الأعداد عبر مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي لتتولى بعملية التغطية والتشويش والتشويه والقذف والفبركة والتسفيه وإلصاق التهم بالجيش العربي السوري بما تقوم به العصابات الإرهابية، وبالتالي ما نشاهده هو سيناريو مكرر عند بدايات تفجير المؤامرة، حيث جرى اتهام وسائل إعلام منصفة وغير مشاركة في المؤامرة بأنها “شبيحة” و”عميلة” و”بعثية”…وإلخ، وكذلك صحفيين وكتاب.
ولكن هذا لن يغير من الواقع شيئًا ولن يبدل من الحقيقة الثابتة شيئًا.