الحزن يعتصر القلب، ويلجم الحواس، ويعجز العقل عن التفكير أو استيعاب الرحيل، ورغم صعوبة الفراق ولوعة الفقد، إلَّا أننا مؤمنون بقضاء الله وقدره، وأن سفينة الوطن لا بد أن تستكمل المسير، وأن أجيال النهضة التي رعاها جلالته قادرة على إكمال البناء والسير على خطى قابوس، الذي نقول له اليوم شكرا على كل ما قدمته لعمان، فقد تركت دولة قوية حديثة يشار إليها بالبنان، تتمتع بمكانة عظيمة بين الأمم، يأتي إليها العالم ثقة في إخلاص توجهاتها ونبل مواقفها وانحيازها للحق.
أضحت عمان بفضلك عاصمة للدبلوماسية الحكيمة التي تدعو للتعاون والمحبة والوئام، وواحة يلتمس فيها المتعبون الأمن والاستقرار، وعلى أرضها يلتئم الفرقاء وتنتهي الخلافات، ويعود السلام لمناطق عانت ويلات الحرب ومزقتها النزاعات.
شكرا قابوس، أسست دولة القانون والمؤسسات، أسست قضاء نزيها مستقلا يقف أمامه الجميع، سواء ويحصل من خلاله المواطنون والمقيمون على حقوقهم، وشرطة عصرية تحترم حقوق الإنسان، وتنفذ القانون دون إفراط أو تفريط، وتحفظ الأمن والانضباط، وتقدم خدمات شرطية متميزة للمواطنين، وتضبط المنافذ البحرية والبرية وتكافح الجريمة وتردع أي خروج على القانون.
شكرا قابوس الذي أسست قوات مسلحة قوية عقيدتها الإيمان بالله والانتماء للوطن والدفاع عن استقلال الوطن وسلامة أراضيه حتى آخر قطرة من دم، لتنعم عمان بالعزة والإرادة الحرة، وتحمي منجزات النهضة المباركة التي شهدتها ربوع عمان على مدار الخمسين عاما الماضية.
شكرا قابوس وجزاك الله خير الجزاء، وحدت العمانيين على حب الوطن، ونزعت بذور الفتنة من أرض عمان وزرعت في قلوب العمانيين المحبة والتسامح ونبذ المذهبية والطائفية والمناطقية والقبلية، وبفضلك أصبح المواطن العماني مثالا للإنسانية والتحضر والمدنية.
شكرا .. قابوس أعدت العمانيين إلى حضن الوطن، من أول يوم توليت فيه مقاليد الحكم، وأطلقت نداءك الشهير للعمانيين الذين اضطروا لمغادرة وطنهم، وفتحت أبواب عمان لعودتهم للمشاركة في مسيرة البناء، وأصبحت عمان بفضل جهود جلالتك ملاذا وموئلا لملايين الباحثين عن الرزق والأمن والأمان من شتى بلاد العالم.
شكرا .. قابوس الذي سعى منذ اللحظة الأولى للاستثمار في بناء الإنسان العماني، فكان شاغله الشاغل القضاء على الأمية، ونشر التعليم في كافة أنحاء عمان، فبنى المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية، لتقدم خدماتها في كل شبر على أرض عمان، وأرسل البعثات التي استفاد منها مئات العمانيين إلى الدول المتقدمة ليستكمل المتفوقون منهم دراستهم في أرقى الجامعات والمعاهد التعليمية، ليعودوا إلى وطنهم مسلحين بأعلى الدرجات العلمية لينقلوا العلوم والتكنولوجيا الحديثة ويوطنوها في أرض عمان.
شكرا قابوس .. غادرتنا بجسدك فحسب، ولكن ستظل روحك وسيرتك العطرة نبراسا يهدي العمانيين وينير لهم الطريق، وستظل مواقفك النبيلة وأقوالك المأثورة دستورا يستلهمون منه الإيمان والحكمة والتضحية والغيرة من أجل الحفاظ على منجزات النهضة التي كنت راعيها وحاديها وبانيها، وسنظل أوفياء لمبادئها، متمسكين بالقيم والمبادئ والأخلاق الحميدة التي رسختها، محافظين على العهود التي طالما جددتها معنا، بالحفاظ على إرث الآباء والأجداد والتركة الحضارية الضاربة في جذور التاريخ والتوازن بين الحداثة والمعاصرة مع التمسك بالعادات والتقاليد.
رحمك الله يا مليكنا العظيم، وجزاك خير الجزاء بقدر ما أعطيت لشعبك من جهد وتجرد وزهد وعطاء، ونم .. وقر عينا فشعبك بخير، وسيتجاوز محنة فراقك ويتغلب على أحزانه، وسيواصل الحياة متسلحا بوحدته وبما تعلمه منك من قوة العزيمة وصلابة الإرادة وحب الحياة.
المصدر: اخبار جريدة الوطن