جاءت جائحة تفشي فيروس كورونا لتوجه ضربة شديدة للعولمة بمفهومها العابر لمفاهيم الدولة الوطنية والقائم على الانصهار العالمي والاهتمام بالبعد الدولي للقضايا على حساب الأبعاد المحلية والوطنية، بحيث يكون هذا الاهتمام قائما لصالح سياسات وكيانات بعينها أنتجت اعتماد الكثير من الدول في إنتاج المواد الأساسية، سواء كانت غذائية أو طبية على سلاسل توريد من الخارج ليأتي كورونا ليطيح بهذه المفاهيم، ويبرز عجز الكيانات الكبرى عن التصدي الذي وقع على كاهل الدول الوطنية بالمقام الأول، وليبرز بالمقابل حاجة الدول الوطنية إلى صيغة أخرى من التعاون.
وفيما يرى الكثير من الكتابات أن الصين هي المستفيد الأول من العولمة والمدافع الرئيسي عنها، يأتي تقرير نشرته وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) ليؤكد أن تفشي فيروس كورونا الجديد يعتبر تهديدا واختبارا كبيرين للعولمة, كما ينقل عن محللين قولهم إن العولمة اتجاه تاريخي لا يقاوم، ولن تتوقف عن المضي قدما رغم أنها قد تواجه بعض الانتكاسات وسط الوباء مع الإشارة في الوقت ذاته إلى ضرورة قيام البلدان بتعزيز التنسيق والتعاون في معالجة القضايا العالمية، وكذا في تحسين نظام الحوكمة العالمية.
وينقل التقرير عن ريتشارد هاس، رئيس المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية قوله إن هذا الوباء سيدفع دولا كثيرة إلى الاهتمام بشكل أكبر بشؤونها الداخلية، فيما يرى جون إيكنبيري الأستاذ بجامعة برنستون أن تفشي الفيروس سيضخ الزخم لدى أطراف مختلفة لمناقشة الاستراتيجية الغربية الكبرى، حتى أنه سيجعل المناهضين للعولمة يجدون أدلة جديدة تثبت وجهات نظرهم على الأمد القصير.
ولم تخرج وجهة النظر المقابلة عن هذا السياق؛ إذ يرى روبرت جيرفيس الأستاذ في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، أنه عندما نلخص الوضع بعد انتهاء الوباء، سنجد أن المشكلة الحقيقية ستتمثل في الإخفاق في العمل بشكل فوري على تشكيل تعاون دولي فعال بين الدول. كما يرى إيجور شاتروف، رئيس لجنة خبراء صندوق التنمية الاستراتيجية الروسي، أنه مع اتخاذ بعض الدول “لموقف مستقل وأحادي” بشأن قضية العولمة، فإن الافتقار إلى المساعدة المتبادلة والتعاون بين الدول في مواجهة الأزمات لن يصب في مصلحة أحد.
أي أن وجهة النظر المقابلة لم تعف العولمة من الإخفاق، ولكنها أكدت على ضرورة التعاون بين الدول بصيغة أخرى.
وبالنظر إلى الأزمة العالمية الحالية نجد أن العديد من صيغ التعاون الدولي كانت كفيلة باحتوائها في وقت مبكر، ومن هذه الصيغ يأتي في المقام الأول التبادل المعلوماتي المبكر حول المرض وانتشاره دون إخفاء ولو بدافع المكابرة, ليأتي بعد ذلك التعاون العلمي للوصول بشكل أسرع للعلاج والتكامل فيما يخص الإمدادات الضرورية، سواء كانت طبية أو غذائية.
من المؤكد أن بعد انتهاء هذه الأزمة سيعاد النظر في طبيعة الأدوار المنوطة بالدول الوطنية، واتخاذ هذه الأدوار حيزا أكبر على حساب منظمات وكيانات وأخرى، وطبيعة التعاون القائم على المصالح المشتركة بين هذه الدول.
المصدر: اخبار جريدة الوطن