سامي حامد
زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لموسكو مؤخرا تعد مرحلة جديدة للعلاقات الخارجية المصرية، حسب تعبير المحللين السياسيين في كلا البلدين .. فالمباحثات التي جرت بين الريئسين الروسي فلاديمير بوتين والمصري عبدالفتاح السيسي تعد هي الأوسع منذ إعادة الدفء للعلاقات المصرية الروسية بعد اللقاءين الرباعيين في القاهرة وموسكو على التوالي بين وزيري دفاع وخارجية البلدين في الـ14 من نوفمبر العام 2013 في القاهرة والـ14 من فبراير العام 2014 في موسكو اللذين ركزا على العلاقات الثنائية، حيث تمكن الطرفان المصري والروسي من تحديد المهام الأولية في التعاون المتبادل في المجالات التجارية والاقتصادية والعسكرية .. فالقاهرة وموسكو أكدتا عزمهما على تعزيز الشراكة فيما بينهما لحل القضايا الملحة على الصعيدين الإقليمي والدولي وقد تم إطلاع الجانب الروسي على التطورات الاقتصادية في مصر خاصة فيما يتعلق بالاستثمار، حيث تعكف القاهرة على صياغة حزمة تشريعية جديدة لتحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات الأجنبية ومن بينها الاستثمارات الروسية.
لقد كان لقاء بوتين ـ السيسي أول اختبار حقيقي للعلاقات بين القاهرة وموسكو في ظل تشابه الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بالبلدين، وقد أكدت الزيارات المتبادلة عمق العلاقة وقوتها حيث كانت زيارة وزيري دفاع وخارجية روسيا للقاهرة في نوفمبر الماضي تأكيدا على دعم موسكو الكامل لمصر بعد ثورة الـ30 من يونيو .. وحينما قام الجانب المصري برد الزيارة في فبراير الماضي أعلن المشير عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع وقتئذ أن زيارته لروسيا بمثابة انطلاقة جديدة للتعاون العسكري بما يصب في مصلحة البلدين .. كما قام وفد شعبي روسي بزيارة مصر في الـ14 من مايو الماضي برفقة مجموعة ممن شاركوا في بناء السد العالي وذلك في ذكرى الاحتفال بمرور 50 عاما على بناء السد، في إشارة إلى أن العلاقات بين البلدين علاقات قديمة راسخة لا تزال عالقة في أذهان المصريين والروس على المستوى الرسمي والشعبي على حد سواء.
لقد أسفرت زيارة السيسي الأخيرة لموسكو عن تحقيق نجاحات في العديد من المجالات حيث تم الاتفاق على إقامة منطقة صناعية روسية كجزء من المشروع الكبير الجديد لقناة السويس، كما تم بحث إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع الاتحاد الجمركي الذي تقوده روسيا وروسيا البيضاء “بيلا روسيا” وكازاخستان كما تم الاتفاق على قيام روسيا بتزويد مصر بما لا يقل عن 5 ملايين طن من القمح هذا العام وهو مايمثل أكثر من نصف احتياجات مصر من القمح، كما ستقوم مصر بزيادة صادراتها الزراعية إلى روسيا بنسبة 30% مقابل تسهيل موسكو دخول السلع المصرية. ومن أهم نتائج الزيارة الاتفاق على صفقة أسلحة روسية للقاهرة بقيمة 3 مليارات دولار تشمل مقاتلات “ميج 29″ وأنظمة صواريخ “كورنيت” المضاة للدبابات والمروحيات الهجومية “كاموف كا – 25″ و”ميل مي ــ 28″ و”ميل مي 25″.
لقد تميزت العلاقات العسكرية بين مصر وروسيا بالتعاون المثمر منذ زمن بعيد .. فقد كانت الأسلحة الروسية هي عصب الجيش المصري في حربه مع إسرائيل في السادس من أكتوبر العام 1973 إلا أن هذا التعاون أصابه الجمود عقب توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل وارتماء القاهرة في أحضان واشنطن والاعتماد على السلاح الأميركي منذ أواخر السبعينيات من القرن الماضي .. ورغم ذلك فالعلاقات العسكرية بين القاهرة وموسكو لم تتوقف منذ 30 عاما خاصة مع استمرار وجود 30% من الأسلحة الروسية لدى الجيش المصري .. وقد شهدت مصر في الأشهر القليلة الماضية زيارة عدة وفود عسكرية روسية منها زيارة عدد من كبار المسؤولين العسكريين الروس للقاهرة في مايو المضي التقوا خلالها بقادة القوات المسلحة المصرية وكذلك زيارة “فيكسلاف كوندارسكو” مدير الاستخبارات الروسية.
ورغم أن المسؤولين المصريين لم يعلنوا عن أبعاد ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين خلال هذه الزيارات إلا أن الجانب الروسي كشف عن بعض ملامح هذا الاتفاق، حيث أبرزت وسائل الإعلام الروسية خبر توقيع صفقة سلاح روسية لمصر بجانب الاتفاق على إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين مطلع العام القادم، كما تم الاتفاق على تعاقدات لشراء قطع الغيارالتي تحتاجها الأسلحة الروسية الموجودة لدى الجيش المصرى .. وفي هذا الصدد قال سيرجي سيرجيتشيف الخبير الروسي في معهد الشرق الأوسط إن روسيا لديها خطط استراتيجية بعيدة المدى لا تقتصر على المناورات المشتركة فحسب، فهي تريد استئناف تعاون عسكري فني شامل مع مصر ومحاولة رفع مستواه إلى ما كان عليه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.
يأتي العهد الجديد في العلاقات بين القاهرة وموسكو في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المصرية الأميركية توترا وجمودا منذ قيام ثورة الـ30 من يونيو والتي أطاحت بحكم الإخوان، وهو ما أدى إلى تجميد واشنطن مساعداتها العسكرية للقاهرة التي تبلغ 1,2 مليار دولاردولار سنويا، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأميركية تعقيبا على زيارة السيسي الأخيرة لموسكو للتأكيد على أنها تربطها مع القاهرة علاقات وثيقة وبأنها تتابع عن كثب ملف التقارب المصري خاصة في مجال الطاقة الذرية، وذلك بعد أن أعلنت هيئة الطاقة الذرية المصرية عن توقيع بروتوكول تعاون نووي مشترك مع روسيا لاستكمال منظومة التعاون النووي بين البلدين التي تشمل تحديث وتطوير المفاعل النووي البحثي المصري الأول وهو مفاعل “انشاص” الذي بدأ العمل به العام 1961 والذي حصلت عليه مصر من روسيا نهاية الخمسينيات، وكذلك توريد الوقود لتشغيل المفاعل الثاني وأيضا الاشتراك في مناقصة مشروع الضبعة النووي!!
لقد حظيت زيارة الرئيس السيسي الأخيرة إلى روسيا بحفاوة بالغة، حيث صاحب سرب من المقاتلات الروسية طائرة السيسي لدى دخولها المجال الجوي الروسي وحتى هبوط الطائرة في مطارمدينة سوتشي في حفاوة غير مسبوقة لاستقبال رئيس دوله أجنبية، وهو مشهد أعاد إلى الأذهان حفاوة الروس خلال استقبالهم للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر .. ويعد منتجع سوتشي الواقع على ضفاف البحر الأسود هو القاسم المشترك بين زيارتي السيسي والرئيس المصري السابق محمد مرسي إلى روسيا الاتحادية، إلا أن الفارق بين الزيارتين شاسع، فالرئيس بوتين خلال زيارة مرسي اكتفى بإرسال عمدة سوتشي لاستقباله في المطار، بينما أرسل وزير خارجيته المخضرم سيرجي لافروف لاستقبال السيسي، كما أن بوتين استقبل السيسي فور وصوله، بينما لم يلتقِ مرسي إلا في اليوم الثاني من زيارته، فضلا عن أن مرسي عاد من الزيارة خاوي الوفاض من أي نجاح!!