طارق أشقر
خلال فعاليات توقيع السلطنة والصين أمس الاثنين على اتفاقية منح حق الانتفاع والتطوير لإنشاء المدينة الصناعية الصينية العمانية بالدقم باستثمارات يتوقع وصولها إلى عشرة مليارات دولار أميركي حتى عام 2022 ، ورد في كلمات المسؤولين أكثر من مرة ذكر طريق الحرير القديم الذي كان له تأثير كبير على ازدهار الحضارة الصينية والعربية والرومانية والهندية قبل اكثر من ألفي عام مضت.
وفيما يعتبر علماء الانثربولوجيا الاهتمام بحاضر البشر ينبغي أن لا ينفصل عن ماضيهم، كونهم لايدرسون الانسان ككائن وحيد منعزل عن بني جنسه من البشر، بل يدرسونه بوصفه كائنا اجتماعيا يحرص على تواصله مع غيره من جنسه. فقد سادت بين الاقتصاديين مؤخراً قناعة بأن الاهتمام بالعوامل التاريخية كثيرا ما يشكل مرتكزات نجاح وازدهار للعديد من المشروعات الجديدة، وذلك باعتبار أن التاريخ يوفر كما هائلا من المعطيات التي تعتبر معيناً هاما في التخطيط الاستراتيجي للمشروعات الاقتصادية الضخمة.
وقد بدى ذلك الاهتمام الأشبه بالعزم على الاستثمار في التاريخ التجاري للشعوب واضحا في مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج المعروفة باسم (الحزام والطريق ) التي طرحها في عام 2013 والتي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين والدول العربية خصوصا التي كانت ضمن طريق الحرير التاريخي القديم .
وفي هذا السياق جاء حديث وليو كيوي نائب رئيس مقاطعة نينجشيا الصينية خلال حفل التوقيع على اتفاقية المدينة الصناعية الصينية العمانية مشيراً إلى إن العلاقات الودية بين السلطنة والصين تمتد جذورها إلى قديم الزمان، حيث ربط طريق الحرير القديم بين الشعبين قبل 600 عام حين نزل الملاح الصيني المسلم “تشنجخه” إلى محافظة ظفار خمس مرات، وأن السلطنة واحدة من أقدم الدول في الشرق الأوسط التي وصل شعبها إلى الصين قبل مئات السنين، منوها الى تطور العلاقات التجارية بين السلطنة والصين فبلغت الصادرات والواردات بينهما إلى أكثر من سبعة عشر مليار دولار أميركي.
وبهذا يعتبر الحديث عن فرص استثمار التاريخ التجاري بين الشعوب اتجاها ايجابيا يمكنه اختصار الكثير من الإجراءات ، فضلا عن ان وجود اي قدر من القناعات بالرواسخ التاريخية يمكنه ان يكون دافعا جديدا يعزز من تسيير الدوافع الاقتصادية لأي مشروعات استراتيجية، وذلك دون اي تقاضي عندما يستجد من معيقات اقتصادية قد تكون وليدة المتغيرات الاقتصادية الجديدة بالمنطقة موضوع المشترك التاريخي التجاري.
ويظل مفهوم الاستثمار في التاريخ التجاري للشعوب كامناً بالكثير من الفرص ذات المرتكزات الاقتصادية القوية في جدواها ، خصوصا عندما يتبين بأن مستقبل الاقتصاد الصيني وفق أحدث التقارير الاقتصادية يشير إلى أن احتياجات الصين من بترول المنطقة العربية بما فيها دول الخليج بحلول 2025 ستزيد إلى ثلاثة أضعاف ما تستورده الولايات المتحدة الأميركية من نفس المنطقة حالياً .
علاوة على كل ذلك فإن ما تحققه الصين من نمو متسارع في اقتصادها وخصوصا القطاعات الصناعية منها وتطلعها إلى أن تسلك طرق حرير جديدة بحسابات تكلفة وجدوى اقتصادية أكثر ربحيا بالنسبة لها من خلال تسجيلها حضورا اقتصاديا اقوى داخل جغرافية المنطقة العربية لتكون أكثر قربا من الأسواق الخليجية والإفريقية التي اتسعت استثماراتها فيها ، كل ذلك يجعل من مفهوم الاستثمار في التاريخ التجاري القديم للشعوب ذا جدوى اقتصادية أقوى في المستقبل القريب ، وفيه الكثير من المنافع الاقتصادية للدول التي تحرص على ذلك.
آملين المزيد من الازدهار والتواصل والتبادل الاقتصادي والتجاري بين السلطنة والصين من أجل توسع أكبر في الاستثمارات الاقتصادية التي تولي اهتماما للماضي والحاضر والمستقبل ، وذلك من اجل ضمان مستقبل افضل للأجيال القادمة.