طارق أشقر
انطلقت أمس الاثنين بدارفور غرب السودان عمليات استفتاء إداري لتحديد المستقبل الإداري لولايات الإقليم، وذلك للاختيار بين بقاء ولايات دارفور الحالية الخمسة المتمثلة في ولايات شمال وجنوب وشرق وغرب ووسط دارفور على ما هي عليه من وضع إداري، أو أن تصبح دارفور إقليما واحداً ، وذلك في ظل الحكومة المركزية التي ترأسها الخرطوم عاصمة السودان.
يأتي الاستفتاء في وقت أصبح فيه التطلع إلى السلام والاستقرار في غرب السودان قاسماً مشتركا لكافة ألوان الطيف السياسي السوداني مع اختلاف رؤاهم في الكيفية التي يمكن من خلالها الوصول إلى ذلك المبتغى الذي نرجو أن لايكون بعيد المنال، في حين يشارك في هذا الاستفتاء ثلاثة ملايين سوداني من قاطني إقليم دارفور بولاياته الخمس، وذلك في ظل مقاطعة معلنة من الحركات المسلحة التي بينها حركة العدل والمساواة وحركة تحريرالسودان قطاع الشمال.
وفيما يستند الاستفتاء إلى اتفاقية الدوحة لعام 2011 الموقعة بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة كأحد استحقاقات الاتفاقية الهادفة لدعم الاستقرار في هذا الإقليم الذي ما زال مضطرباً، فقد أحيطت بتنفيذه حالة من السجال في السودان بين مؤيدي إقامة الاستفتاء كاستحقاق ملزم وفق اتفاق الدوحة، وبين معارضين يرون أن هناك استحقاقات أخرى أولى منه بينها وقف الحرب وعودة اللاجئين والنازحين وسيادة السلام في كافة ربوع دارفور.
ورغم التباين النسبي بين قضايا الصراع في دارفور، وقضايا صراع الشمال والجنوب الذي تم حسمه باستفتاء 2009 المنتهي بانفصال الجنوب عن الشمال ليصبح الجنوب دولة أخرى مستقلة عن الوطن الأم، ورغم اختلاف تصنيف الاستفتائين حيث يعتبر استفتاء دارفور (إداريا) في إطار الدولة المركزية، واستفتاء الجنوب كان (مصائريا) لتحديد مصير الجنوب ليبقى في إطار الدولة الواحدة أو ينفصل كدولة قائمة بذاتها، إلا أن مرارات تلك التجربة الجنوبية مازالت عالقة في حلوق السودانيين جميعا رغم أنه يظل لزاما عليهم احترام ما أقدم عليه الجنوبيون من خطوة نتجت عن مفاوضات طويلة واتفاقيات خسر السودان بسببها خسارة هامة من خسائره.
وبما أن تجربة استفتاء الجنوب كان محورها يدور حول الجنوب (كإقليم ) وما كان على الجنوبيين إلا الاختيار بين انفصاله عن السودان أو البقاء ضمنه، إلا أن المحصلة النهائية لذلك الاستفتاء أصبحت تشكل بعبعاً مخيفا لكل من تعلق بأمل أن يعيد السودانيون حساباتهم بشأن الطريقة التي ينبغي أن تحل بها الصراعات الداخلية المتعلقة بمفاهيم العدالة وتوزيع الثروة وتقاسم السلطة، خصوصا بعد أن أكدت تجربة استفتاء الجنوب بأن وحدة السودان أصبحت على شفى حفرة من نار، وذلك في وقت يخشى فيه المراقبون من أن تصبح تجربة استفتاء الجنوب جاذبة لكل من يرى في عمليات الانفصال وتقسيم المقسم وسيلة أفضل لحل الصراعات الداخلية في أطراف السودان المختلفة. وبهذا اتسعت دائرة الخوف من مجرد الحديث عن
(الإقليمية) حتى كمفهوم إداري.
وعليه، وكيفما اختلفت رؤى أبناء السودان في غربه أو شماله بمختلف اتجاهاته بشأن الاستفتاء في دارفور، يبقى الأمل معقودا على أن يضع الجميع (وحدة) السودان هدفاً أسمى بعيداً عن الاستقطابات القبلية والإقليمية، وذلك على أمل أن يصبح بذلك الاستفتاء الإداري واحدا من الوسائل التي يرجى أن تؤدي إلى تهيئة المناخات لعودة أكثر من ثمانين ألفا من النازحين واللاجئين وتحقيق العدالة والاستقرار والسلام لكافة أبناء السودان دون إقصاء لأحد مهما اختلفت قناعاته السياسية، ليبقى السودان (الموحد) وطناً آمناً لكافة السودانيين.