طارق أشقر
في ظل ارتفاع وتيرة العنف التي تسود الكثير من أرجاء العالم في السنوات الأخيرة، ارتفعت أصوات العقلاء في الكرة الأرضية بالدعوة إلى تعزيز ثقافة السلام العالمي بين الشعوب، وذلك على أمل أن تقوم المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية بالدول في مختلف أنحاء العالم بدورها المنوط بها في هذا المجال كل حسب اختصاصه ومجاله.
وفيما يعتبر السلام كثقافة هدفا منشوداً، ومطلوب ترسيخ دعائمه في كافة أنحاء العالم، تبدو الصورة وبكل وضوح مثالية إلا ان تجسيدها ليس مستحيلا، مع ضرورة التسليم بان ذلك الهدف يحتاج إنجازه سنوات طويلة، كون التأسيس له يقتضي التعامل مع الأجيال المتعاقبة للإنسانية بمختلف ثقافاتها ومنذ نعومة أظافرها،غير ان هناك الكثير من الخطوات العاجلة والضرورية ينبغي اتخاذها في هذا الشأن لتعمل على التمهيد العملي لتعزيز ثقافة السلام، خصوصا وانها خطوات ربما يكون دورها اشبه بدور السحر في تغيير مؤشر العنف العالمي.
ومن أبرز تلك الخطوات، العمل الجاد على التعامل بمصداقية وشفافية تجاه ترسيخ مبدأ(العدالة)على مستوى العالم، كونه يشكل بلسما شافيا للكثير من حالات (الغبن) الناتجة عن السياسات الخاطئة لمختلف أطراف القوى العظمى دوراً اساسيا فيها، حيث ينبغي عليها التعاطي مع قضايا متنوعة كقضايا (الاحتلال)، و(التآمر)، واغتصاب أراضي الغير، وقضايا الغزو واستلاب الحقوق وهضم الحريات وغيرها من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، تعاطيا يرتكز بشكل اساسي على الشفافية والجدية في تحقيق العدالة كهدف سامٍٍ بالدرجة الأولى.
ان أي خطوات جادة تجاه ترسيخ مبدأ (العدالة) وعدم الكيل بمكاييل متباينة، سيسهم بشكل آني في تسريع ازالة الغبن الاجتماعي والسياسي بالقدر الذي سيعزز من التخلص من الطاقات السلبية لدى المتأثرين بالظلم والاضطهاد خصوصا في جغرافيا المكان التي تعاني صراعات عسكرية وعمليات تقتيل وتفجير وظلم واحتلال واعتقالات واعدامات بدون محاكمات، وستكون النتيجة الحتمية هي تغير نمط سلوك من كانوا يشعرون بالظلم ليتجهوا نحو المحافظة على ما اكتسبوه من عدالة تترجمه عملية تنعكس ايجابا على السلوك الفردي والجماعي بالقدر الذي يعزز ثقافة السلام.
وحتى يتأتى كل ذلك ينبغي على كافة المجتمعات الإنسانية بمختلف ثقافاتها أن تعمل على ترسيخ مبدأ (التسامح) بين افرادها، فضلا عن ترسيخ مبدأ (العدالة) واحترام (الآخر) والتأكيد على حق الجميع في الحياة دون اقصاء للآخر، وهذه جميعها مبادئ يحتاج غرسها الى التكامل في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية بين كافة المؤسسات المنوط بها القيام بهذا الدور ابتداءً من مؤسسة الأسرة مرورا بالشارع والمدرسة والاعلام والمنظمات الدولية خصوصا تلك المسؤولة عن جوانب مثل التربية والثقافة، وعن اتخاذ القرارات الهامة التي تحدد مصائر الشعوب كقرارات الغزو او قرارات العقوبات أو حتى قرارات الشجب والإدانة والتنديد ، وذلك لأن كل فعل او اجراء يتعلق بمصائر الناس بالضرورة ان يكون له رد فعل قليلا ما يكون مساو له في المقدار .. وفي هذه الحالات يكمن التطرف الذي كثيرا ما تكون معالجاته منقوصة وقصيرة النظر.
وعليه ينبغي على جميع مراكز اتخاذ القرار والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في العالم، ان تنطلق في تعاطيها مع قضايا العنف بشمولية تخاطب كافة الجوانب بما فيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعدلية دون تجزئة أو اسقاط لأي جانب منها، وذلك لضمان تهيئة المجتمعات الإنسانية لسيادة ثقافة السلام العالمي فيها.