طارق أشقر
فيما انطلق مؤتمر تانا الخامس للسلم والأمن الإفريقي أمس السبت بمدينة بحر دار الأثيوبية ليستمر يومين، والذي يستهدف بحث كيفية الوصول إلى تفاهمات لدعم جهود الحكومات الإفريقية لتحقيق الأمن والسلام في الدول الإفريقية، تبدو صورة أوضاع السلام في القارة السمراء أكثر تعقيدا بالقدر الذي يستدعي توسيع مواعين التعامل معها دون الارتكان فقط الى الرؤى الأمنية.
وبينما يسود القارة الإفريقية الكثير من الصراعات المتباينة الأسباب، والتي بينها ماهو اشبه بالبركان الخامل الذي ينتظر تفاعل مكوناته ليفجر (القشرة) الخارجية للراهن الاجتماعي والسياسي في بعض المناطق الافريقية، فهناك منها ما وصل الى مرحلة المواجهة وحمل السلاح تأسيساً على الأسباب الحقيقية لتلك الصراعات، تظل القارة الإفريقية تحمل بين حدودها السياسية غير الواضحة المعالم الكثير من المتناقضات التي تحتاج معالجات قد تستغرق عقودا طويلة من السنين، وذلك لكونها حلولا تستهدف بالدرجة الأولى البنيات الاجتماعية والثقافية للمجتمعات الإفريقية.
وبنظرة فاحصة وسريعة الى خريطة الصراعات الإفريقية، نجد ان الخامل منها مرده الى (التنوع) الديمجرافي الذي يسود القارة من اقصاها الى اقصاها، وذلك في ظل حالة اشبه الى الفشل السياسي في ادارة ذلك التنوع الذي كان بالامكان ان يكون مدعاة انطلاقة حقيقية للاندماج والانصهار الذي يمكنه ان يحقق النهوض والتنمية بمختلف مساراتها على المدى البعيد في القارة السمراء.
وفي سياق الحديث عن التنوع الدمجرافي نفسه نجد ان الكثير من الصراعات التي وصلت مراحل المواجهة المسلحة في افريقيا انطلقت في الاصل بسبب انعدام النظرة الاستراتجية البعيدة المدى في ادارة التنوع، فنتج عن ذلك حروب دموية كارثية كتلك التي جرت بين التوتسي والهوتو في الكونجو الديمقراطية التي امتد اثرها ليحدث اضطرابا في معظم دول قلب افريقيا متأثرة بصراع المصالح النابع بشكل اساسي من الانتماءات والتوازنات غير المحسوبة في تأييد وعدم تاييد الاطراف المتصارعة حيث تأثرت بذلك الصراع مجموعة دول بينها بورندي ورواندا وتشاد وزامبيا وزمبابوي والكونجو وانجولا وغينيا وغيرها.
كما لم يقتصر ذلك التنوع في افريقيا على التركيبة الديمجرافية فحسب، بل يمتد ليشمل التنوع الثقافي، حيث تحتضن افريقيا كافة الديانات السماوية وغير السماوية والارواحية، وذلك في ظل قصور واضح لبعض الانظمة السياسية التي يكون من مسؤلياتها ادارة شؤون مختلف تلك الأديان، حيث ادى قصور الظل الاداري والسياسي لبعض الانظمة الافريقية الى اخذ بعض الصراعات منحى ديني رغم ان بداياتها قد لا تكون منطلقاتها دينية، ومثال على ذلك صراع افريقيا الوسطى المتمثل في مواجهات مليشيات “بلاكا” و”السيليكا”، حيث تطور الصراع بينهما لتأخذ الاولى صبغة اسلامية والثانية صبغة مسيحية.
كما يتسع التنوع الثقافي في افريقيا ايضا ليشمل ماتعانية القارة من تباينات في الثقافات المكتسبة المرتكزة على اللغة، وذلك في وقت توجد فيه من حيث التصنيف اللغوي افريقيا العربية وغير العربية وافريقيا الفرانكفونية الناطقة باللغة الفرنسية وافريقيا الانجلوفونية الناطقة بالانجليزية بالاضافة الى افريقيا الناطقة باللهجات المحلية المتنوعة المكتوبة وغير المكتوبة، وكل هذا بالامكان ان يصبح ثراء في صالح الانسان الافريقي ليسهم في توسع تواصله مع العالم الخارجي وليكسبه المزيد من فرص نقل المعارف والتكنولوجيا وتبادلها، وذلك في حال التفات الانظمة السياسية الافريقية الى التعامل مع هذا المشهد برؤى استراتيجية بعيدة المدى حتى تفوت الفرصة على اي استغلال سلبي لذلك التباين.
وبين التنوعين الثقافي والديمجرافي، يأتي العامل الجغرافي ليشكل تحديا آخر وهو اتساع المساحات الجغرافية للدول الافريقية وعدم قدرتها على السيطرة على حدودها السياسية في ظل ضيق ذات اليد الاقتصادية والعسكرية، مما يفتح المجال لجعل افريقيا هدفا لانتشار احدث الجماعات المتطرفة كتنظيم داعش، مما يشكل ضغوطا امنية وعسكرية واجتماعية جديدة على الدول الافريقية.
وعليه وكيفما كانت التبيانات البنيوية في افريقيا، يظل حسن ادارة التنوع هدفا ساميا ينبغي على النسخة القادمة لمنتدى تانا (السادس) للامن والسلام في افريقيا ان يأخذه في الاعتبار حتى يتمكن السياسيون من الاستعانة بشكل افضل بالاجتماعيين من اجل وضع الاسس اللازمة لكيفية العمل على ترسيخ الانصهار والاندماج الاجتماعي لكافة مكونات المجتمعات الافريقية في بؤرة الدولة الوطنية التي تلتقي كافة مكوناتها حول الدولة الوطن التي ينبغي عدم المساس باستقرارها مهما اختلفت القناعات السياسية.