في ظل مسيرة متجددة من نهضتها الماجدة، تعيش السلطنة الأبية مرحلة تحول كبرى في تاريخها المعاصر، مرحلة لها خصوصيتها وظروفها وطبيعتها المتغيرة، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ والذي حدد في خطابه السامي في الثالث والعشرين من فبراير لعام 2020 مسار العمل الوطني لبناء عمان المستقبل، واضعا في أولوياته إنتاج القوة في كل الفرص التي تحققت لعمان في العقود الخمسة في كافة المجالات، والتي شهدت تحولات كبيرة في بناء الدولة العمانية العصرية بسلطاتها التشريعية والقضائية والتنفيذية ومنظوماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والتعليمية والأمنية وغيرها، مما أسهم في تهيئة البنى الأساسية الحديثة والمتطورة في كافة مجالات الحياة، ضمنت تحقيق العيش السعيد والحياة الكريمة للإنسان العماني، وعززت من فرص التمكين للموارد البشرية وإسهامها في نهضة عمان، منطلقة من تاريخ عمان العريق وموقعها الحضاري الذي شكل كيانا فاعلا ورصيدا حضاريا مؤثرا في ازدهار المنطقة والعالم، وأسهمت جهود السلطنة خلالها في استتباب الأمن والاستقرار وتعزيز نهج السلام والتنمية والحوار لبناء عالم تسوده المحبة والوئام والتعايش والتكامل وتعيش دوله وشعوبه فرص التنمية والتقدم والازدهار.
على أن البعد الاستراتيجي الذي رسمه الخطاب السامي لجلالة السلطان المعظم لبناء عمان المستقبل وحدد فيه ملامح المرحلة المقبلة وأدوات البناء وممكنات الأداء ومؤطرات التوجه والأهداف والغايات والأساليب والآليات ومرتكزات العمل ومعايير التقييم، وعبر إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء، والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، وتطوير آليات صنع القرار الوطني، ومراجعة أعمال الشركات الحكومية، والتوجيه الأمثل للموارد المالية، وخفض المديونية، وزيادة الدخل، وانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة في كل قطاعات العمل والإنتاج، وتحقيق التوازن المالي والتنويع الاقتصادي، وتطوير الأنظمة والقوانين الاقتصادية ذات الصلة وغيرها؛ بحاجة إلى منظومة إعلامية تحتوي لبنات التغيير، وتحافظ على مسار التحول، وتفسر مراحل الإنجاز، وتبصّر المواطن بما له من حقوق وما عليه من مسؤوليات وواجبات، وتضمن وصول الأوامر في شكلها الصحيح والتوجيهات في إطارها المؤثر والمتناغم مع روح المواطنة العمانية، والقادر على فتح نوافذ الأمل من جديد، واستنهاض روح الإرادة والإيجابية في أسمى صورها وأدق تفاصيلها إخلاصا لعمان وولاء لسلطانها ووفاء لمنجزها الحضاري، منظومة تمتلك الجاهزية والأدوات وتستوعب التحولات وتقرأ المنجز في حدس التوقعات وتستلهم منه معاني القوة والاعتماد على النفس والثقة بالكفاءة العمانية وحق الترويج لها ولإبراز نجاحاتها وتفوقها للعالم، موظّفة مختلف الفنون الإعلامية التقليدية والرقمية واستنهاضها وتنشيطها وإعادة توجيه مسارها وضبط آليات عملها وتقييم الأثر الناتج عن مخرجات البرامج، وتوفير الأطر والاستراتيجيات القادرة على صناعة التغيير ورسم ملامح المرحلة، وعبر سياسات إعلامية ناضجة وبرامج متقنة الإعداد، قوية في محتواها، ديناميكية في بنيتها المعرفية والأدائية، تنقل الرسالة الإعلامية من الوقتية والعمل اللحظي والتغطيات الإعلامية للأحداث اليومية، إلى استيعاب متطلبات المرحلة والتغييرات التي بدت ملامحها ظاهرة وخيوطها تنسج جسور الأمل لمستقبل أكثر إشراقة والتي تجسدها رؤية عمان 2040، في احتواء الصندوق الأسود بكل تفاصيله وتشعباته ومتغيراته بما يضمن تصحيح اتجاهات المواطن وسبر احتياجاته ومتطلباته في الإجابة عن التساؤلات التي يطرحها حول عمان المستقبل وموقعه في منظومة التحديث وصناعة التغيير.
ولمّا كان الإعلام السلطة الرابعة المحركة لمحتويات هذا الصندوق بتفاعلاته وممكناته وفرصه وتحدياته وطموحاته وبدائله وخياراته وأنماطه، ونافذة الدولة الاستراتيجية التي تنظر منها إلى العالم الآخر، والمجهر الذي تستقصي منه معطيات الواقع ومستجداته، وتؤسس في ظلاله مساحات أمان لبناء مجتمع الوعي والنضج والتنمية والتطوير، وصوت الحكمة في التعريف بأبعاد المرحلة التي تعيشها عمان، والرابط الذي يجسد روح التلاحم والتناغم والتكامل بين أجندة البيت الداخلي الوطني، وخيوط التأثير التي تعمل على مد جسور التعاون وتوجيه بوصلة الأداء للوصول إلى مشتركات واحدة تضمن التقارب الفكري والتناغم المعرفي وحضور عمان: القيادة والدولة والإنسان، خيار استراتيجي في كل مساحات الحوار والنقاش ووجهات النظر وتعدد المرئيات، لتثبت خلاله المنظومة الإعلامية مسؤوليتها في الولوج إلى جوهر التحدي وجوانب القوة وأولويات التطوير، وتبني في ظلال هذه الجسور الممتدة من العمل من أجل عمان، قواعد للعمل المشترك والحوار الأصيل والممارسة الهادفة، وإنتاج بدائل وحلول لمستلزمات الواقع الوطني، لتصل الرسالة الإعلامية إلى كل مواطن عمان في قوتها وإيجابيتها وشفافيتها ووضوحها واعتدالها وأخلاقها وتوازنها ومنهجيتها ومعياريتها، وتستنهض فيه قوة الوعي وصلابة الإرادة وثبات العزيمة ونهضة الشعور وحس المسؤولية وإنتاجية المواطنة وكفاءة الأداء وتؤصل فيه فقه التشريع وحضور الضمير ونزاهة الخلق وثقافة المبدأ واعتدالية الفكر ورصانة الاختيار وكفاءة الانتقاء.
وبالتالي ما يعنيه ذلك من أهمية تجسيد هذه التحولات ونقلها إلى المواطن والتعريف بها وتهيئة الرأي العام نحوها، وتعزيز الاتجاهات الإيجابية لديه في المشاركة الفاعلة في رسم معالم التغيير وتأطير أجندتها، وما تتطلبه عملية تحقق هذه الرؤى من أدوات وآليات وبرامج تعزز من فرص الوعي وتبني منصات الفهم في المواطن؛ مرحلة تتطلب التخلي عن أنانية النفس، وتقوية الحس المسؤول، وبناء المواطنة المنتجة، وتأصيل قيم وأخلاقيات العمل والوظيفة وصناعة الإنسان العماني المخلص الواعي لمسؤولياته والمدرك لواجباته والفطن في قراراته والذي يمتلك روح الدافعية وسلامة الفكر وثقافة المبدأ والتنازل عن فوقيته وسلطويته لصالح البناء المجتمعي، وهو الدور المنوط بالرسالة الإعلامية فتأخذ في الحسبان هذه التحولات وأدواتها وإنتاج برامجها وتوعية المجتمع بها وفهم مدخلاتها وعمليات بنائها والمخرجات المتحققة منها، وانعكاساتها على تقدم الوطن وازدهاره، وما تحمله أجندة الإعلام وبرامجه من محطات لتعزيز أرصدة النجاح لضمان الانتقال بعمان إلى مستوى طموحات أبنائها وآمالهم في شتى المجالات، إذ بقدر ما تمتلكه السياسة الإعلامية وعبر رسالتها وأسلوبها وأدواتها من مهنية وجاهزية وموضوعية في نقل الخبر ورصده، وصناعة المعلومة ونشرها، وجودة الأسلوب الذي تقدم به الكلمة؛ بقدر ما يعزز ذلك من مستوى التأثير الذي تتركه في نفوس المتابعين، وهو أمر يستدعي تعدد الخيارات وتنوع البدائل التي تطرحها، وتوفير مؤشرات رصد وتقييم، تضمن قدرتها على تغيير قناعاته وتوجيه اهتمامه بقيمة ما تطرحه من برامج عبر دخولها في واقع الحياة اليومية للمواطن ومؤسسات الدولة ومعايشتها لكل الطموحات والاحتياجات، والمشروعات والإنجازات والابتكارات والاختراعات، ولا تقف عند هذا الحد بل تعمل على استشراف المستقبل في برامجها وما تطرحه من معطيات، بحيث تمتلك سياسات الإعلام الوطني الأدوات المقننة والآليات المجربة ومعايير التقييم المؤطرة ومنصات الرصد والمتابعة والمسوحات التي تعزز من تقييم برامجها وضمان توفر ممكنات استمراريتها وكفاءتها وتناغمها مع خطاب المرحلة.
من هنا فإن معطيات بناء عمان المستقبل ورؤية 2040 تؤكد أن المرحلة المقبلة بحاجة إلى إعلام جديد: فكرا ومضمونا ومحتوى وفلسفة وأسلوبا، بما يعيد إنتاج إعلام المرحلة ليتقاسم المشترك مع توقعات المواطن منه، ورؤية الحكومة وثقتها فيه، وبما يقلل من هاجس التأخر عن ملاحقة الظروف أو غلبة الإعلام الآخر وانتصاره عليه، وإنتاج منظور إعلامي جدير بالاعتماد عليه والثقة فيه ويستحق المتابعة، وأكثر ارتباطا بالواقع واندماجا مع التحولات وتفعيلا لأطر النجاح وتأصيلا لمعطيات المرحلة، بحيث يتجه في سياساته إلى التثمير في طبيعة المحتوى الجديد، وإعادة إنتاجه وتعزيز الفرص الوطنية المتحققة فيه، والتحول من إعلام اللحظة بما يعانيه من ضعف في الأدوار والتأثير والاحتواء، وسطحية في القراءة والرصد والتحليل والدراسة في تناول الحالة الوطنية، وتركيزه على وقتية البرامج وضعف المطروح من البرامج، وهشاشة المحتوى الإعلامي، والدخول بالإعلام في قضايا جدلية تفقده هويته وروحه وتسلبه إرادته وقوته، وتقلل من كفاءته وحيويته ونشاطه وتتجه به إلى التكرار في الموضوعات والسطحية أو ضمور البعد الاستراتيجي في قراءة الأحداث، والشكلية في وصف المعطيات بما يؤدي إلى فقدان دافعية الاستماع ومتعة المشاهدة والقراءة، وزيادة فاقد العمليات الإعلامية المتكررة والهدر فيها؛ إلى إعلام المرحلة الذي يقرأ بعمق، ويحلل بمهنية، ويشخص الواقع ويستشرف المستقبل، ويعزز الاتجاهات، ويستخدم البدائل، ويمتلك روح التجديد والمنافسة في قدرته على امتلاك نافذية التأثير في قناعات الجمهور، والنفاذ على مستوى الجاهزية الفكرية للمواطن.
وتبقى قدرة السياسة الإعلامية الوطنية على الوفاء بمتطلبات المرحلة وتحقيق أرصدة نجاح قادمة يستشعرها المواطن في دور الإعلام وكفاءته، والنموذج الذي يصنعه والقدوات التي يبنيها في كافة قطاعات التنمية الوطنية، مرهونا بما يحمله من أجندة عمل واضحة ويمارسه من مسار إعلامي يظهر فيه مستوى التجديد والجدية ويعبر عن حدس إعلامي يستشرف ما يفكر به جيل الشباب والأجيال القادمة، وكيفية تلبيته بصورة تضمن قدرتها على جذب اهتمامه بمحتوى الرسالة الإعلامية الوطنية، والشعور بقيمة ما تطرحه من برامج، وإثبات موقعها في ذاته وفكره دون الإخلال بمعايير بناء الرسالة الإعلامية، ويؤسسه من ثقافات العمل المسؤول والإدارة الكفؤة والتخطيط السليم والتنفيذ الأمين، ويؤطره في رسالته وأساليب عمله ومبادئه من مفاهيم وأخلاقيات ومفردات في العمل الإعلامي المسؤول، بما يستدعيه من تحولات قادمة في هيكلة الإعلام وبنيته التنظيمية والتشريعية والمؤسسية والوظيفية والمهنية ومراجعة حالة التنازع في الاختصاصات وحدود المسؤوليات مرورا بالبرامج الإعلامية وما تحمله من روح المستقبل ودافعية الشعور وإنتاج فقه التغيير في سلوك المواطن، وأن تتجه إلى تعزيز وجود مختبر اعلامي وطني، والتثمير في مراكز الفكر الاستراتيجي التي تعمل على تعزيز إعلام المرحلة وتستقطب الخبرات والكفاءات الوطنية ذات العلاقة، وإيجاد قاعدة بيانات وطنية بالخبرات والكفاءات المتخصصة أو ذات الاهتمام بقطاعات التنمية المختلفة، والتي سوف يضمن توفرها المزيد من الانتقائية والاختيار النوعي للقدرات الوطنية في تناول قضايا المرحلة، وحشد الاهتمام بالبرامج التي تجسد في محتواها وطبيعتها وطريقة تناولها مرتكزات خطاب عمان المستقبل، ليستشعر المواطن وهو يتابع المنصات الإعلامية الوطنية بكل محطاتها المقروءة والمرئية والمسموعة والتفاعلية، مرحلة متقدمة في الموثوقية الإعلامية وامتلاكها أدوات مرنة في التجاوب الفوري مع الأحداث والقضايا والظروف والمتغيرات الحاصلة ذات العلاقة بالبعد الاقتصادي وغيره واستيعاب دروس كورونا (كوفيد19) والتراجع المستمر في أسعار النفط في تقوية المناعة الوطنية في ابتكار حلول الواقع، ووضع المواطن وعبر تعزيز المسؤولية الاجتماعية لديه في استشراف السياسات التنموية وتوليد البدائل والحلول المحاكية للواقع.
أخيرا فإن بناء عمان المستقبل يستدعي اليوم جهدا استثنائيا يقدمه الإعلام الوطني بكل فنونه ومساراته يتناسب مع طبيعة المرحلة، ويستشرف في أجندته وبرامجه وخططه ودوراته البرامجية، السياسات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والأولويات التي ترتبط بها وقراءاتها وتحليلها ودراستها وتوفير البيانات والمؤشرات والمسوحات واستطلاعات الرأي في قراءة أعمق لتفاصيلها ومتطلباتها، وتهيئة المجتمع للتعامل معها بروح المسؤولية وصدق الضمير وكفاءة المهارة وقوة الفكرة ومهنية الاختيار، ورصانة الانتقاء، وقوة التحليل، والنقد البناء، وتوظيف المؤشرات والبيانات واعتماد لغة الأرقام في الإجابة عن التساؤلات، ورقي السلوك الإعلامي بما يغرسه في المتابعين له من ثقة ورؤية وبصيرة بعيدا عن الأحكام العشوائية والأفكار الاندفاعية والإشاعات والاجتهادية المفرطة، مرحلة متقدمة في سبر أعماق الواقع، وتعزيز مسار التحول في فقه المجتمع وثقافته وقناعاته وفكره وتهيئته للعيش في ظلال مرحلة جديدة لها خصوصيتها وظروفها التي يجب على المواطن أن يقف على تجلياتها بوعي ويقرأ تفاصيلها وما بين سطورها بمهنية متجردا من كل الأنانيات والمصالح الشخصية واضعا نصب عينيه عمان الغاية والهدف، فيتعامل مع القضايا المطروحة بمزيد من الجدية والاهتمام والانتقاء والحكمة في المعالجة والتيقن من صدق المعلومات والتثبت من الخبر والتقليل من مساحة الإشاعة وتداول الأفكار السلبية، فهل سيقرأ إعلام عمان المستقبل مسؤولياته بشكل يتناغم مع التجدد الحاصل في منظومة الأداء الوطني، ويوفر للمواطن المعلومات المؤكدة التي يحتاجها بسرعة ودقة وبشكل أكثر تفصيلا في الحد من اجترار ما يصدر من خارج المنظومة من معلومات مشوهة وأخبار غير موثوقة ويجيب عن التساؤلات التي يطرحها المواطن حول أجندة عمان المستقبل، وقدرة المنظومة الإعلامية على أن ذلك يلقي عليه مسؤولية أكبر في احتواء المواطن في ظل تزايد عناصر المواجهة والإعلام البديل، كما يتطلب منه التنوع والاحترافية والمهنية والعمق والتحليل وبناء الأطر وصناعة التوجهات ورسم خريطة البناء الفكري للمواطن العماني أينما حل وارتحل، وأن تفصح الأيام المقبلة عن تغييرات تطول المنظومة الإعلامية بكل مؤسساتها تعيد هيكلة الإعلام العماني وبناء مساراته وتوفير الممكنات الداعمة له في إيصال رسالة السلام والتنمية والتعايش والوئام ورسالته في بناء الإنسان ونهضة الفكر وتعزيز الاقتصاد والتثمير في الموارد، وحضوره في أجندة الواقع الوطني واهتمامات الشباب العماني وطموحاته وأولوياته، وهي الرسالة التي يرجى منها صناعة القدوات وبناء النموذج الوطني وتحقيق أعلى درجات النزاهة والإخلاص والمساءلة والمحاسبية وبناء فقه الضمير المسؤول.
المصدر: اخبار جريدة الوطن