محمد عبد الصادق
” مؤخراً انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر ظاهرة ” أبطال الفيس البوك” وهم أشخاص احتفت بهم مواقع التواصل الاجتماعي ورفعت من شأنهم وأوصلتهم لمنزلة الأبطال بعد ادعائهم تحقيق بطولات وإنجازات خارقة, وبعد فترة يتم اكتشاف حقيقة بطولاتهم الزائفة, وتنتهي الأسطورة وتسقط الصورة البراقة التي صنعها لهم متابعوهم على الـ”فيس بوك” الذين انطلت عليهم قصص البطولة الوهمية فصدقوها…”
ازدادت سطوة مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت في مصر منذ 25يناير 2011 , واعتبرها البعض صاحبة الفضل في نجاح الثورة عن طريق حشد الشباب للنزول والمشاركة في التظاهرات التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك , ومنذ ذلك الحين تهافت الرواد على هذه المواقع حتى وصل عدد المصريين على موقع “فيس بوك” وحده إلى أكثر من 20 مليون شخص؛ عدد كبير منهم متواجدون بصفة مستديمة, يكونون عن طريقها قناعاتهم ويستمدون منها تجاربهم وعلاقاتهم ويستقون أخبارهم ومعلوماتهم من خلال ما يبث على تلك المواقع على مدار الساعة.
وإذا كان لمواقع التواصل الاجتماعي إيجابيات؛ متمثلة في كشف الحقائق ونقل الأحداث ساعة وقوعها بالصوت والصورة , وخلق رأي عام ضاغط على الأنظمة والحكومات لمواجهة الفساد ومحاسبة المسؤولين المتقاعسين أو المتجاوزين ومحاولة علاج أوجه النقص والقصور في الخدمات المقدمة للمواطنين وشاهدنا خلال السنوات الماضية وزراء ومحافظين يفقدون مناصبهم في مصر بسبب مقطع فيديو أو تسجيل صوتي تفوه خلاله المسؤول بجملة أو كلمة اعتبرها (رواد مواقع التواصل الاجتماعي ) جريمة لا تغتفر حتى لو كانت زلة لسان ولكنها تنتشر كالنار في الهشيم على الـ “فيس بوك” ويضطر صاحب القرار للرضوخ للرأي العام والتخلص من المسؤول؛ تجنباً لسخط وإلحاح هذه الوسائل الاتصالية الخطيرة التي أصبحت أداة فعالة في توجيه الرأي العام , وتحولت وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وإذاعة وتليفزيون إلى أدوات ثانوية تابعة, تترمم على ما تبثه هذه المواقع من أحداث.
وللأسف هذه المواقع حملت معها أيضاً الكثير من الشر, الذي يهدد الوحدة الوطنية وتماسك ولحمة المجتمع , بنشر الشائعات وإثارة الفوضى, وبث الكراهية والانقسام بين طوائف الشعب , نتيجة الحرية المنفلتة (على الإنترنت) التي تعيشها مصر بعد “25يناير” وانعدام الرقابة والتوجيه للأجيال الحديثة, وغياب القدوة والمثل العليا وتراجع قيم الصدق والمروءة والاحترام.
و مؤخراً انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي في مصر ظاهرة ” أبطال الفيس البوك” وهم أشخاص احتفت بهم مواقع التواصل الاجتماعي ورفعت من شأنهم وأوصلتهم لمنزلة الأبطال بعد ادعائهم تحقيق بطولات وإنجازات خارقة, وبعد فترة يتم اكتشاف حقيقة بطولاتهم الزائفة, وتنتهي الأسطورة وتسقط الصورة البراقة التي صنعها لهم متابعوهم على الـ”فيس بوك” الذين انطلت عليهم قصص البطولة الوهمية فصدقوها وراحوا ينشرونها على صفحاتهم ويطالبون الآخرين بنشرها للفت نظر الحكومة والجهات المسؤولة لتكريم هؤلاء الأبطال الورقيين, وعندما يظهر زيفهم وكذبهم ينقلب التعاطف لثورة غضب, ومن كان ينادي بالتكريم يتحول لجلاد ينادي بالإعدام بلا محاكمة ودون إعطاء فرصة للدفاع أو حتى المناورة.
ومن الأمثلة الفجة لتلك الظاهرة؛ كانت لشاب مصري (28) سنة تم الاحتفاء به على مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره أصغر شاب يحصل على الدكتوراه من كندا واستضافه التليفزيون المصري الرسمي ليروي قصة تفوقه ونجاحه العلمي, وتصدرت صورته شاشات التليفزيون وأغلفة الصحف اليومية وهو يتسلم درع تكريم من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عيد العلم الأخير, وتحول الشاب لبطل قومي وقدوة للشباب الباحث عن التفوق, و بعد أشهر قليلة, فوجئنا بصورته في صفحات الحوادث والجريمة بعد صدور حكم من المحكمة بحبسه لمدة عام بتهمة النصب والتزوير, وتبين أنه لم يكتف بالتدليس على وزارة التعليم العالي حتى تضع اسمه وسط المكرمين في عيد العلم, وإنما وضع صورته وهو يصافح السيسي على صفحته بالـ”فيس بوك”واستغلها في الحصول على مبالغ مالية من عشرات الشباب بزعم مساعدتهم في الحصول على درجات علمية معتمدة من الجامعة والسفارة الكندية في القاهرة, ولكنه تهرب منهم مما اضطرهم للإبلاغ عنه واتهامه بالنصب(والسؤال كيف سمحت الجهات والأجهزة الأمنية المتعددة في مصر لهذا الشخص بالتكريم في حفل يرعاه رئيس الجمهورية دون التحري عنه).
و مسلسل “البحث عن بطولة” لم يقف عند الأمور الدنيوية , بل تعداها لشأن ديني فقد تداول رواد الـ”فيس بوك” أنباء فوز طالب أزهري بالمركز الأول في مسابقة عالمية لحفظ القرآن الكريم, وتم تنظيم احتفالات صاخبة عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وسط مطالبات بتكريمه من مؤسسات دينية وحكومية على إنجازه الكبير, وخرج أهالي قريته البسطاء عن بكرة أبيهم في مواكب ممتدة لاستقبال البطل الذي جلب المجد لقريتهم وجعل اسمها ملء السمع والأبصار في مصر والدول الإسلامية, لكن سرعان ما تحولت حالة الفرح والابتهاج لهجوم واستياء بعدما تم اكتشاف حقيقة عدم فوزه بالمسابقة ولا حتى مغادرته لمصر للمشاركة, وتحولت عبارات المديح والفخر لإهانات وسباب وتحول التكريم إلى مجالس تأديب وقضايا ومحاضر, لينتهي به الحال للفصل من كليته وضياع مستقبله.
ولم تراعي شهوة البحث عن بطولة عبر الـ”فيس بوك” حرمة الموت بل استغلت أرملة شابة مصيبة الموت للحصول على المال الحرام ’ وبدأت القصة بشاب شعر بدنو أجله و قرب نهايته , فاصطحب زوجته لزيارة قبره وأخذ صورة “سيلفي” ومقطع فيديو من داخل القبر وبعد وفاته قامت زوجته بنشر قصتهما والصور ومقطع الفيديو على الـ”فيس بوك” وهو ما أثار مشاعر واهتمام رواد المواقع وأدى لحملة تعاطف كبيرة مع الزوجة الحزينة؛ التي انهالت عليها المساعدات المادية والعينية بجانب الدعم المعنوي, وبعد فترة استيقظ المصريون ليجدوا الزوجة صاحبة شركة توظيف أموال ومتهمة بجمع 15 مليون جنيه والهرب بها خارج البلاد وأن ضحاياها هم من رواد صفحتها ومتابعي قصتها على الـ”فيس بوك” بعد أن أغرتهم بالأرباح التي تنتظرهم من الشراكة معها .
واستغل البعض تنامي الشعور الوطني عند المصريين عقب “25 يناير” لتحقيق الشهرة والبطولة الزائفة, ومثال على ذلك قصة “عازفة الناي” التي أعلنت عبر صفحتها على الـ”فيس بوك” اعتزامها الانتحار احتجاجاً على غياب الحريات والتضييق على النشطاء في ممارسة حرية الإبداع و التعبير, واختفت عازفة الناي الشابة عن الأنظار وسادت حالة من الحزن والاستياء بين الشباب وتحول الـ”فيس بوك” لسرادق عزاء وصب الرواد جم غضبهم تجاه البلد والنظام الحاكم والأوضاع الاجتماعية التي دفعت فتاة في عمر الزهور لإنهاء حياتها وملأت صور عازفة الناي صفحات التواصل الاجتماعي تعلوها شارات الحداد السوداء , حتى ظهرت الفتاة فجأة وأعلنت أنها مازالت على قيد الحياة وتحول التعاطف والحزن إلى هجوم وسباب والبطولة والوطنية إلى خداع وكذب وانتهازية.