تشكيليون عمانيون: المسألة نسبية في معرفة ماهية اللوحة الفنية والمتذوق بمرجعيته البيئية واستعداده النفسي يوجد في نفسه حالة من الإيقاع والتأثير
استطلاع ـ خميس السلطي:
تعرّف اللوحة الفنية على أنها حالة نفسية مكتظة بالتفاصيل المتداخلة، حكاياتها الألوان وواقعها مشاعر تكاد لا تكتمل إلا بصرخة تلك الألوان، تجذبك نحوها بعمق لا يخلو من الحيرة ومن ثم التفكر. يرى البعض على أنها بحاجة الى قراءة تفسر ماهيتها وحقيقة وجودها، في المقابل هناك من يرى أنها وجدت لتكون نافذة مشرّعة التفاصيل وعلى المتابع لها أن يقول ما يشاء عن ذاتها.حول تلك الأفكار نقترب من ذوي الشأن والعلاقة، سواء كانوا تشكيليين، أو متابعين لحيثياتها ..
تفاوت في الإدراك
الفنان التشكيلي موسى عمر يرى أن إدراك المغزى والمقصود في اللوحة هو عملية تعتمد بشكل أساسي على الإدراك الجمالي والعمق الفني للمتلقي وللفنان أيضاً، وهي مسألة مرتبطة بالثقافة، ولذلك نجد أن القدرة على الإدراك الفني لماهية اللوحة تتفاوت من شخص لآخر ومن مجتمع إلى آخر، وقد يكون من الصواب أن نقول أنها ترتبط إلى حد ما بالخلفية الثقافية للمتلقي أيضاً، فعلى سبيل المثال المشاهد الأوروبي الذي يحمل تراث مئات السنين من تطور الفن التشكيلي في مجتمعه والذي يتداخل أيضاً ضمن حياته الشخصية قد يستطيع إدراك مغزى العمل الفني بشكل أكثر من الذين وصل إليهم الفن التشكيلي بمعناه المعاصر في وقت أقرب مثل مجتمعاتنا، وكلما ارتقى المجتمع تحضّراً وثقافةً وتعمقا في الممارسات المتعلقة بالفنون واهتم بالجمال كلما ازداد فهم الأفراد ووعيهم بما تعنيه الفنون وبما يقصده الفنان في العمل الفني، وهذا ما نلاحظه في مجتمعنا المحلي، فمع ازدياد الاهتمام بالفنون دراسةً وممارسةً في المدارس والجامعات وأيضاً في البيوت ازداد إدراك الأفراد للمغزى المطروح في العمل الفني.وفي ذات السياق يشير الفنان موسى عمر: الفنان حين يرسم العمل الفني فإنه يعبّر عن فكره الخاص ولكنّه في النهاية شكل من أشكال الحوار البصري ولابد فيه من وجود الطرف الآخر الذي هو المتلقي، وليس من الضروري أن يدرك المتلقي فكرة الفنان بنفس الماهية التي قصدها الفنان بل يحق له أن يتفاعل معها إنسانياً من واقعه هو كإنسان شريك في التجربة الإنسانية فيقرأ العمل الفني كما يقع في نفسه، أما إذا فرضنا على المتلقي أن يقرأ العمل الفني بنفس الفكرة التي قصدها الفنان حرفياً فإن الفن وقتها يصبح حواراً من طرف واحد.
سؤال استنكاري
أما الفنان والباحث في شأن الفن التشكيلي عبدالكريم الميمني فيقترب أكثر من هذه الرؤية ليشير إلى أن هذا التساؤل ذكره بمقولة للفنان الإسباني بيكاسو حين تم سُئل عن قدرة المتلقي من تفسير لوحاته، فبادر بطرح سؤال استنكاري : كيف يمكن أن تتوقع متفرجاً يعيش صورتي مثلما عشتها ؟ ثم يُجيب على تساؤله بقوله : إن الصورة تأتي إلي من أميال بعيدة فمن ذا الذي يستطيع أن يقول من أي بُعد أحسست بها، ثم رأيتها، وتصورتها، ومع ذلك فإني في اليوم التالي لا أستطيع أن أتبين ما قمت أنا نفسي بعمله، وكيف يستطيع أي إنسان أن يتوغل في أحلامي، في غرائزي، في رغباتي، في أفكاري، التي أخذت مدة طويلة لتنضج وتخرج في ضوء النهار، وفوق ذلك كيف يستطيع أي شخص أن يخرج منها بما كنت أفكر فيه ربما ضد مشيئتي الذاتية.)
فسحة التأويل
هنا يشير الفنان الميمني إن هذه المقولة على بساطتها، إلا أنها تشير إلى معنى عميق في ما يشعر به الفنانون دون غيرهم عند تجلياتهم الفنية، فهذا القول يوضح كيف تأتي الأفكار للفنان ومدى صعوبة أن يتبين المتلقي معانيها وفق قصد الفنان ورؤيته، إلا أننا لا يمكن في ذات الوقت أن نحرم فئة المتذوقين من تفسير الأعمال فالفنان عندما يسمح لعمله بالظهور فهو بذلك قد فسح المجال لتأويل أعماله وفق ما يراه ويستشعره المتلقي وفق خبرته وثقافته، ومن واقع تجربتي في قراءة أعمال الفنانين فإنني لمست مدى تعطش الكثير من المهتمين بالنتاجات الفنية للاستماع إلى رؤية النقاد والمتذوقين الجماليين فهم يعتبرون القراءات والتأويلات الفنية بمثابة الجسر الذي ينقلهم إلى متعة أكثر إثارة.وعلى ذلك فإن أي قراءة تفسر ماهية الأعمال وكيانها الوجودي سيظل شيئاً نسبياً لدى البعض وذو أهمية عالية لدى البعض الآخر.
الفهم من خلال التذوق
أما الفنانة التشكيلية نائله المعمرية، وهي على ماجستير الدولي للفنون التشكيلية المعاصرة وممارسة التصميم فتؤكد حديثها هنا الأعمال الفنية تعتبر سجلا توثيقيا لانفعالات وأفكار ومشاعر الفنان، كما تعتبر مهارته الإبداعية في عمله الفني أداة يوصل بها دواخله الفكرية والنفسية إلى الآخرين كالمتلقين والمتذوقين فنياً، فالفنان يتميز عن الآخرين بتكوين حسي وانفعالي وفكري ومهاره عالية في التعبير عن ما يدور في ذهنه.وتقترب الفنانة نائلة أكثر من خلال طرحها بقولها: ولكن من الملاحظ بفقدان المجتمع المحلي للثقافة البصرية ، بالرغم من جهود الجهات والمؤسسات المعنية بالفنون التشكيلية في إقامتها بالعديد من الأنشطة والمعارض الفنية متنوعة المجالات خلال برنامجها السنوي في معظم المحافظات، إلا أن زوار هذه المعارض الفنية تقتصر على الفنان المشارك وأهله وأصدقائه سواءً كانوا من الوسط الفني أو غيره ويرجع السبب إلى عدم تمكن الزوار من فهم وتذوق الأعمال التشكيلية المقدمة.
وتضيف الفنانة المعمرية : على الرغم من أن تذوق الأعمال الفنية تختلف من شخص الى آخر، الا أنه من الممكن على كل زائر تذوق الأعمال الفنية حسب رؤيته من خلال خلفيته المعرفية والعناصر والمفردات الطبيعية المخزونة إدراكياً، ومشاهداته الدائمة ومعايشته للأعمال الفنية التي تساهم بشكل مباشر في نمو خبرته التذوقية ورفعها إلى أعلى المستويات، وبالتالي يسهل عليه فهم وتحليل وتفسير الأعمال، وبهذا يمكننا أن نقول أن أي إنسان كان فنانا أو غير فنان يمكنه فهم الأعمال الفنية من خلال التذوق وليس الفهم، لأن تذوق المشاهد فنياً للعمل التشكيلي هو إحساس يستقبله عن طريق مشاعرة، ويجب على كل المتذوقين ألا يتساءلوا عن معنى ودلالة العمل الفني بعمق لأنه من المؤكد يحمل معانى ودلالات عديدة ومتداخلة مع بعضها منتجة لغة حسية بصرية جمالية يتواصل به الفنان مع الآخرين ، فيجب عليهم أن يستقبلوا ما ترسلوه الأعمال الفنية من دلالات بحسهم وليس بعقولهم.
انتقاص من قيمة العمل
وتعود الفنانة نائلة بالذاكرة حيث طرح هذه الرؤية لتشير في حديثها منذ زمن ليس ببعيد، جعلت المتاحف الفنية ملصقات على حائطها تقدم من خلالها فقرات من المعلومات الأساسية وشرح لكل عمل فني للزوار الذين يقضون الآن وقتًا طويلاً في قراءتها، وبهذا أصبح الفنانون جزءًا من ثقافة الكلمات هذه مفسرين معانيها وفلسفاتها الجمالية ويتم وضعها على جدران أماكن عرض أعمالهم، وبالنسبة إلى وجهة نظري الشخصية لكوني فنانة تشكيلية وأكاديمية متخصصة في مجال الفنون التشكيلية أرى أن كتابة شرح تفصيلي لكل عمل فني له شقيان وهما : أولاً زوار المعارض الذين لديهم معرفة أقل بالفن المعاصر ودلالاته ومفاهيمه هم أكثر عرضة للبحث عن بيان وتصريح كتابي عن العمل التشكيلي، كمساعدة توجيهيه لهم من خلالها يمكنهم فهم فكرة العمل وما فعله الفنان ولماذا استخدم هذه التقنية ضمن مدرسة فنية دون غيرها بشكل عام.
وهنا تأتي الفنانة نائلة المعمرية لتكون أكثر واقعية وتضيف: لا أؤيد كتابة شرح لأي عمل يعرض لان الأنسان بشكل عام يتأثر تأثيراً مباشرة في فهمه للعمل بالطريقة التي شرح وفسر به وبهذا سيكون تذوقه للعمل مبني لنظرة الفنان والتي من المستحيل أن يوفيها حقها كتابياً، بالتالي سيؤدي البيان في الواقع إلى انتقاص من قيمة العمل الفني الذي ليس بحاجه إلى توضيح أو كونه غامضا في فكرته وهنا سيكون توجيهه للمشاهد توجيهًا مفرطًا مما سيجعله اكثر عرضه لعدم فهم العمل لأنه سيجتهد باحثا عن كل كلمة ذكرها الفنان عن عمله، بالإضافة إلى أنه سيعطي عمله معنى جديدا بعيداً عن فكرته الأصلية، فالعمل التشكيلي وليد اللحظة والفكرة والشعور وغيرها المتعلقة به، ومن ناحية أخرى خوفاً من إن يكتب عبارة بشكل غير واضح ولا مفهومة تدفع المشاهد نحو الاتجاه الخاطئ، مما سيجعل مصداقيته لدلالة عمله مزعزع
وسيلطخ من سمعة العمل، وأقل ردة فعل من المشاهد أن يقول بأن هذا الفنان لا يعلم ما الذي يتحدث عنه وماذا يريد، أما بالنسبة للفنانين سيهتمون بجانب رسومهم ونتاجاتهم الفنية الإبداعية إلى التنافس في تعليقاتهم وشروحهم لأعمالهم، وهذا هدف مغاير عن هدفهم الأساسي، فهو هدفه فنياً وليس أدبياً. وإن هذه الكتابات التوضيحية عن الأعمال هي ظاهرة حديثة نسبيا بدأت بعض المؤسسات الفنية بالسلطنة في تضمينها كشرط من شروطها بالمسابقات السنوية منذ التسعينيات، شخصياً أحياناً أشبه هذه العملية بالمقدمات التمهيدية في كتب الأدباء، فالفنون التشكيلية تختلف في عملياتها الإبداعية وأدواتها عن الكُتّاب.
مراحل متطورة
وخلال طرحها حول الفكرة العامة تضيف الفنانة نائلة المعمرية بقولها : أفضّل أن يفهم ويتصور كل شخص متذوق دلالة العمل حسب رؤيته وفهمه وخبرته، مما سيضفي جانباً إيجابيا في نفسي كفنانة بأن العمل لمس وجدان المتلقي وبصيرته، واعطى دلاله أخرى للعمل مما زاد في ثرائه فنياً. ثانياً إن تضمين بياناً كتابياً فنياً من قبل الفنانين كجزء يسهل قرأه العمل التشكيلي بالنسبة للنقاد الفنيين، أؤيده تأييدا تامًا ، حيث إن دور البيان الكتابي هنا سيساعدهم لتحليل ونقد العمل إيجابيا بناءً ويساهم في تقدير العمل الفني من قبل متخصصين في دراسة الأعمال التشكيلية والتي تساهم في تطور الفنانين التشكيليين بشكل عام مما ستوضح لهم نقاط الضعف والقوة في أعماله بناءً على دلالاتهم وفلسفتهم، كما في كثير من الأحيان مناقشة عملية فكرية ما بين الفنان وبين الناقد المتخصص مفيدة جداً لإطلاق عنان أفكار الفنان وفهم أفكاره المحددة من وراء العمل التشكيلي، كذلك ستتضح مراحل تطور أفكاره في أعماله بمرور الوقت كما سيكون المحتوى الكتابي من قبل الناقد بلغة واضحة وبخط مستقيم يهدف إلى تعزيز الفنان وليس هدمه، وبدوره سيسهل للباحثين في الفنون من تتبع مراحل تطور الفنان.
غاية الفن الجمال
الكاتب جمال النوفلي لديه حكايات مميزة مع الجانب التشكيلي وحول الفكرة العامة يقترب ليضيف بقوله: ليست الفنون التشكيلية كلها شيئا واحدا، أي أننا لا يمكننا أن نعاملها جميعها معاملة واحدة من حيث الأسلوب والكيفية والفهم والقراءة، لأنها تأتي من مشارب مختلفة وتعبر عن رؤى متنوعة، اللوحة التي يرسمها الفنان التشكيلي من أجل إيصال غاية ما، هي غير اللوحة التي يرسمها الفنان التشكيلي من أجل التعبير عن حالة نفسية وجدانية محضة، لهذا لا يمكننا دائما أن نتوقع التقاط رسالة يرميها الفنان من علمه، وهذا بالضبط فحوى فلسفة بعض المدارس الفنية كالتجريدية والتكعيبية والسريالية إلى حد ما، ومن ناحية أخرى قد نجد في بعض الفنون التشكيلية الكلاسيكية جمالا خالصا نقيا لا يراد منه إرسال أي معنى ولا يتوسل منه إيحاء أي إشارة أو معنى، لأن غاية الفن في الأساس هو الجمال، والجمال كما يتحدث عنه الفلاسفة القدماء يتربع على قمة درجات الكمال المعرفي، كيف ذلك؟، لأن الغاية من الفلسفة هو الوصول إلى الحقيقة النقية الصافية والطاهرة من العيوب والشوائب والذي هو مطلب وجداني وهذه المرحلة هي ما يعبر عنها بالجمال المطلق، ولا يتحقق ذلك إلا في الدرجة الأسمى من الجمال النقي، وهذه فلسفة يمكن من خلالها فهم أعمال المدرسة الكلاسيكية التي استمرت منذ آلاف السنين وحتى اليوم.
كما يرى الكاتب النوفلي يؤكد هنا بقوله : جميع ما ذكرته حتى يتعلق باللوحة الفنية نفسها من حيث كونها عملا فنيا مجردا والتي تعد هي أيضا نوعا من الفن المكاني، لأن الفن التشكيلي يشغل حيزا مكانيا بخلاف الفنون الأخرى، على أن بعض الأعمال التشكيلية الحديثة صارت مركبة مع مزيج من الفنون الأخرى كنوع من إحداث التغيير والتجديد في الفن الحديث، أما إن أردنا أن نتحدث عن دور المتلقي والمتذوق للعمل التشكيلي وعلاقته بالعمل التشكيلي من حيث استملاحه واستجلاء مكنوناته فهو أيضا أمر راجع إلى عدة معطيات منها أولا اللوحة التشكيلية نفسها ثم حالة المتلقي النفسية والثقافية، والبيئات التي أتي منها الفنان والبيئة التي أتى منها المتذوق أيضا، فالمتذوق بثقافته ومرجعيته البيئية واستعداده النفسي يوجد في نفسه حالة خاصة من الفهم والإيقاع والتأثير الذي عادة ما يكون مختلفا ومتفاوتا عن غيره من الأشخاص حسب المعتطيات التي أشرت إليها، وهنا أيضا لا يفوتني أن أشير أن ليس كل الأعمال التشكيلية تستقصد إبراز الجمال، وإنما هناك لوحات تشكيلية تستقصد أيضا إبراز القبح، القبح وما يتبعه من معان أخرى مقابلة للجمال كالألم والبذاءة والكره والحقد.وتأتي خذخ الفكرة لدى مؤيدي هذا النوع من الفن أن الفن حتى يكون داهشا ويرسخ اللحظة ويخلد الفكرة فإنه يجب أن يعرض شيئا مختلفا عن الحسن والجميل السائد والمتكرر في معظم الأعمال الفنية الكلاسيكية. لهذا على المتلقي أن يمنح نفسه الحرية المطلقة في تذوق اللوحات التشكيلية بكل أنواعها وأن لا يستسبق الحكم على الأعمال فبعضها يتطلب الأناة والتمعن وعدم الاستعجال في تذوقها، فهؤلاء الفنانون قد يقضون الأيام والأسابيع والأشهر لأجل إخراج عمل رائع واحد، إن هذا الجهد الخلاق بحاجة إلى من يتلذذه ويسبر أغواره.
باب مشرع
أما الفنانة بدور الريامية تقترب أكثر من حيثيات الطرح لتؤكد أن هذا الأمر فيما يتعلق باللوحة الفنية يتسع ويضيق باختلاف الجمهور والعمل الفني، فكلما كانت العناصر واضحة وشائعة وواقعية كلما كانت أقرب للجمهور وأيسر للقراءة بل يستطيع أي مشاهد التعبير عنها ووصفها بسهولة، وكلما اتخذت عناصر اللوحة التجريد والرمزية تصبح اللغة مبهمة وينتظر المتلقي إيضاح وتفسير ليفك طلاسمها.هل هناك إجابة محددة أراد الفنان أن يصل إليها الجميع؟ أم هو المتلقي من يحاول البحث عبثاً في كل لوحة عن قوالب الفنان بمعتقداته وافكاره ومشاعره؟ من وجهة نظري اللوحة هي باب مشرع للرائي إلى عوالمه الداخلية، إن الأعمال التعبيرية والرمزية ماهي إلا جزء يبدأه الفنان بفرشاة او بآلة موسيقية أو بقلم وورقة ، ثم يكمله القارئ، يكمل العمل بلمسته الخالصة بخبراته ومكوناته الشخصية ومرحلتة العمرية، وهنا تؤكد الفنانة بدور أن عندما تقف أمام أيقونة فنية عمرها مئات السنين تشعر بأنها رُسمت آلاف المرات ومازالت تتجدد في كل مرة يقف أمامها معجب يلتهم تفاصيلها ليرسمها مجددا في اعماقه كما يريد!.، إن العمل الإبداعي ـ بشتى الفنون- لا يُفسَر فقط بلسان من أَنتَجَه لأنه سيموت بموت صاحبه وبانقضاء المرحلة الزمنية التي أُنتَج بها، إن ما يجعل العمل حي هي تلك الأسئلة ومحاولات الإجابة عليها تلك الإسقاطات و الحوار الخفي للعابرين أمامه ، قراءات فسيفسائية تجعله نابضا بالحياة والمتعة.
قراءة مفتوحة
في نهاية طرح تفاصيل الفكرة يشير الفنان التشكيلي عيسى المفرجي إلى أن الفن لغة تعبيرية يلجأ اليها الفنان للتعبير عن انفعالاته ومشاعره بابداعه لترجمتها بمختلف الوسائط الفنية المختلفة، بالإضافة إلى أنه لغة واضحة المعالم وصلت إلينا من الحضارات السابقة، فهناك الكثير من الشعوب وتفاصيل حياتهم وصلت من خلال الرسومات أو الاشكال أو الرموز أو المجسمات دون ان يكون هناك شرح مكتوب. ويشير الفنان عيسى أن كل فنان يختلف عن الآخر في ترجمة تلك الانفعالات حسب طبيعته وأسلوبه واختلاف المدارس الفنية، فبعض الأعمال تكون واضحة المعالم وسهل التعرف عليها، بمجرد النظر اليها وبعضها قد لا تصل بالشكل السهل للمتلقي الا إذا تمعن وتذوق العمل، وفهم ما فيه وترك لتذوقه وخياله قراءة مختلفة، خاصة إذا ما علمنا أن الفنان يمر في الوقت ذاته بحالة من الاختزال لكثير من الأشياء في حياته فينتج عملا وهو في حالة ربما مختلفة عن الطبيعة العادية فيترجمها في ذالك العمل في تلك اللحظة بكل تفاصيله المحسوسة والا محسوسة. يضيف المفرجي : قد ينتج الفنان عمل لموضوع أو قضية معينة وبطريقة تكاد تختلف عن ما هو مألوف، فقد يجذب ذلك المتلقي للتعرف على العمل وفكرته بطريقة مالوفة وبشكل متعارف عليه ربما لا يلقى الاهتمام من المتلقي، ولا أرى لزاما على الفنان شرح عمله الفني، حيث يترك للمتلقي التذوق والتعمق في العمل.
المصدر: اخبار جريدة الوطن