احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / قناة جونجلي .. للمياه مورد آخر

قناة جونجلي .. للمياه مورد آخر

فوزي رمضان
صحفي مصري

مع تزايد معدلات النمو السكاني، والتغيرات المناخية المتسارعة، يصاب العالم بندرة في المياه العذبة، خصوصا دول مصبات الأنهار، والمهددة غالبا بتناقص حصتها، إما بفعل الطبيعة، وإما بفعل المشاحنات السياسية. والمثال على ذلك، مصر التي تتمتع منذ القدم بمياه أطول أنهار الأرض، ونظرا لأزمة سد النهضة الذي تتخذ منه إثيوبيا ورقة ضغط مؤثرة على مستقبل مصر المائي وتهديدا لأمنها القومي، لكن الحكمة تحتم على مصر التفكير خارج الصندوق لزيادة مواردها المائية، لكن لن يكون بديلا عن حصتها القانونية والتاريخية في مياه نهر النيل، الذي لا بديل عنه سوى الموت عطشا.
زيارة عباس كامل مدير المخابرات المصرىة بصحبة وفد رفيع المستوى، وبرفقة وزيرة الصحة إلى دولة جنوب السودان، حملت الكثير من الرسائل، فقد جاءت الزيارة إنسانية لافتتاح المركز الطبي لمساعدة جوبا العاصمة على الظروف التي تمر بها، نظرا لموسم الفيضانات الغزيرة، كذلك تفعيل دور الوساطة لتنفيذ اتفاقية السلام في جنوب السودان، كما تدعم عمقها الأمني الجنوبي وتؤكد وجودها، وتعزز تعاونها مع دول القارة الإفريقية.
طرحت خلال الزيارة وبشكل غير معلن إحياء مشروع قناة جونجلي، كأحد المشاريع التنموية الكبرى التي تعود بالخير على جوبا والخرطوم والقاهرة، الفكرة وليدة سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأت بالفعل الشركة الفرنسية الموكلة بالتنفيذ، وتم حفر 260 كيلومترا خلال ستة أعوام، لكن توقف العمل بالمشروع عند قرية الكونقر نتيجة نشوب الحرب الأهلية عام 1983، بين الحركة الشعبية المعارضة بقيادة جون قرنق، وبين الحكومة المركزية في السودان آنذاك، وبات المتبقي من الحفر حتى الآن 100 كيلومتر.
والحكاية تبدأ من قرية جونجلي في منطقة جوبا، حيث ينبع نهر الجبل الذي يستنفد معظم مياهه في منطقة تسمى (سد) وهي منطقة من الأراضي المنخفضة، تقع في وسط جنوب السودان تبلغ مساحتها 400 كيلومتر، تشكل عددا لا يحصى من المستنقعات والعديد من القنوات الجانبية والبحيرات.
هنا طرحت فكرة حفر قناة جونجلي بطول 360 كيلومترا، تبدأ من جوبا مرورا بالخرطوم حتى مصر دولة المصب، في تلك القناة يتم تجميع كل مياه نهر الجبل المهدرة في المستنقعات، كذلك مياه الأنهر والبحيرات الجانبية، ومن أجل تعظيم الموارد، تحصل مصر من هذا الفاقد على نحو 14 مليار متر مكعب من المياه الخالصة، خلال عشرة أعوام طبقا لمراحل التنفيذ، كافية على تعويض مصر أي نقصان مياه محتمل.
من منطلق هذا التعاون في المشاريع التنموية خلافا لنعرات الاستعلاء والانحراف السياسي، عند إتمام حفر قناة جونجلي تجف المستنقعات، وتتحول منطقة (سد) بأكملها إلى أراضٍ زراعية، أيضا التوسع في الثروة الحيوانية والتصنيع الزراعي، كما تسهم القناة في الحد من انتشار ناقلات الأمراض وتكاثر الحشرات الناتجة عن المستنقعات، أيضا تعزيز حياة السكان المحليين وتوفير الوظائف عند شق القناة أو تشغيلها.
قناة جونجلي حيث تسعى مصر من خلالها إلى تحقيق التكامل والاندماج القاري القائم على مبدأ المصالح المشركة، والإسراع بنشر السلام بين الفصائل المتناحرة، وتفويت الفرصة على أجهزة مخابرات الدول الإقليمية، من تأجيج الصراعات العرقية بين قبائل المنطقة، كذلك تفويت الفرصة على النفوذ الاستعماري من هدم وتقويض كل المشاريع التنموية العملاقة، التي تدعم التنمية وتستأصل الفقر المتفشي بين سكان دول القارة.
قناة جونجلي وإن كانت كأحد موارد المياه والاستثمار الاقتصادي سريع القيمة، فإنها ليست المشروع الأوحد، حيث تطرح فكرة مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فكتوريا والبحر المتوسط، بما يحققه من فوائد اقتصادية ولوجستية كبيرة، للدول الواقعة على هذا المجرى الملاحي، أيضا مشروع نهر الكونغو ثاني أكبر أنهار إفريقيا والذي تهدر معظم مياهه في المحيط الأطلسي.. معظم الدراسات تؤكد نجاح تحويل مجرى مياه نهر الكونغو إلى منخفض القطارة في مصر بدلا من إهدارها في الأطلسي، ونظرا للكلفة المالية الضخمة تعثر تنفيذ المشروع. إن دنيا خالق الكون ممتلئة بالخيرات، فقط تحتاج لعقل يفكر ومخلص يمول، ويد تنفذ.
المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى