كورونا “زين”… ليست بأي حال من الأحوال سلالة جديدة من سلالات فيروس كورونا في هذا الزمن الذي ما فتئت مفاجآته تطل علينا يوما بعد يوم بالجديد الذي قلما نستوعب مباغتاته، كما أنه ليس لقاحا منتظرًا، أو دواء ما زلنا نأمل في “التوصل” إلى اكتشافه أو حتى “الوصول” إلى من يبتكره لنشتريه منه في المنطقة العربية بمختلف أرجائها، بل عبارة قالها عامل آسيوي بإحدى محطات تعبئة الوقود، مجيبًا على سؤال لي سألته له من باب التواصل الإنساني وهو يخدمني بكل أريحية حيث قلت له: “كيف كورونا؟” فسارع بالرد دون أدنى تفكير: “كورونا زين”!
كورونا “زين” رغم بساطتها وتلقائية من تفوه بها في لحظة ربما قالها من باب “خلصنا يا أخي وخذ خدمتك التي ترغب فيها وخلينا نشوف شغلنا”، أو حقًّا كان يرمي من ورائها لقول ما يجيش بداخله من انطباعات عن واقع يعيشه في زمن كورونا.. وهذا ربما يكون أبعد الاحتمالات… ولكن العبارة لمن يحاول إعادة قراءتها مليئة بالدلالات.
كورونا “زين” يمكن أن نقرأ من بين حروفها القليلة ما يعني بأن بيننا أناسًا بسطاء سريعي التكيف مع ما يستجد من ظروف، وذلك سعيًا وراء لقمة عيشهم التي قد لا تتوافر لو لم يكن بمقدورهم التكيف مع الواقع الصحي الجديد، سواء كان في بلدانهم أو خارجها؛ كون الجائحة عالمية ولا جغرافية مكانية محددة لها… فلبسوا القناع والقفاز تأكيدا على حرصهم على حياتهم، وسعيًا منهم لضمان تدفق مدخولهم المالي مما يمارسون من عمل شريف.
أما الدلالة الأخرى والأقوى معنى في تقديري، فإن عبارة كورونا “زين” تشي لمن يتمعن بين حروفها أيضا بقابلية إنسان العصر بمختلف فئاته العمرية وانتماءاته القطرية على المرونة في التعايش مع كل ما يستجد، خصوصًا بعد أن تبين بما لا يدع مجالًا للشك بأن جائحة كورونا على مستوى الكرة الأرضية ما زالت تتربص بالإنسان وبمقدراته وبعافيته الجسدية والذهنية والنفسية والاقتصادية، وبكل ما يتعلق بإمكانية عيشه لحياته الطبيعية على وجه العموم.
لذلك فإن عبارة كورونا “زين” التي تفوه بها عامل صنديد قوي الشكيمة، ما هي في تقديري إلا إعلان إنساني عن القدرة على تحدي كورونا ومواجهتها وعدم الانسحاب لها من الميدان حتى تسرح وتمرح، بل هي إصرار على تواصل ممارسة الحياة بشكل طبيعي ولكن بحذر، فالرجل كان قد نطق بهذه العبارة من وراء كمامة ـ أي قناع ـ فجاءت حروفها عبر مسامات الكمامة القماشية موسيقية في وقعها على الأذن، بل أقوى في وقعها على القلب والعقل والنفس معًا.. بمعنى كيفما كانت كورونا قاتلة وفتاكة، فنحن أقوى منها بإصرارنا على أن نعيش الحياة لنعمر الأرض.. فهي حسب قناعتنا كبشر ذوي عقول لن تقوى على تدمير الأرض وما فيها طالما نحن عليها.. فنحن أقوى منها وقادرون على التعايش معها حتى القضاء عليها.
إذن وطالما أننا قادرون على التعايش وبكل حذر وعقلانية، متبعين ما ينبغي اتباعه من إجراءات التباعد الاجتماعي، والالتزام بالممارسات الصحية المانعة للإصابة بالأمراض، فيروسية كانت أو بكتيرية، فلا مانع من أن نقول وبملء أفواهنا (كورونا زين) فهي حقًّا “زين” لأنها لفتت أنظارنا إلى كثير من الممارسات الاجتماعية غير الصحية والتي جاء الوقت للتخلي والإقلاع عن ممارستها… فحقًّا كورونا “زين”!
طارق أشقر
من اسرة تحرير « »
ashgartariq@yahoo.com
المصدر: اخبار جريدة الوطن