القارئ الكريم: ها هي الأفلاك تدور والأيام تمر والإنسان يتغير وكل شئ يتغير ويتبدل يبقى واحد لا يتغير ولا يتبدل هو الله مالك الملك والملكوت صاحب العزة والجبروت الذي كتب الفناء على جميع خلقه وهو الحي الباقي الذي لا يموت.
أخي القارئ الكريم: يهل علينا شهر عظيم مبارك ألا وهو شهر رمضان شهر الصيام شهر القرآن .. شهر تغلق فيه أبواب النيران وتفتح فيه أبواب الجنان شهر الإمساك عن الطعام و الشراب وعما يغضب الواحد الديان شهر أوله إحسان وأوسطه رضوان وختامه غفران.
فقدروى الإمام البيهقي في “شعب الإيمان” عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال خطبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر يوم من شعبان فقال:(أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شئ) قلنا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم؟ فقال (صلى الله عليه وسلم):(يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مزقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخرة عتق من النار).
أخي القارئ الكريم: هذه خطبة جامعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أوشك شعبان على الانتهاء وبدأت بشائر نفحات شهر الصيام تهل علي المسلمين إن أيام رمضان يصب الله فيها على عباده الرحمات وينزل فيها الخيرات والبركات إن أيام رمضان فضلها علي سائر الأيام وخص لياليه بالأسرار والأنوار نورها يضيئ القلوب وأسرارها ترفع الأرواح إلى السمو والتعلق بالمحبوب فكيف نستقبل هذه الأيام وبأي شيء نستقبل رمضان.
علينا أن نستقبل هذا الشهر الكريم بما أوصانا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد روى عبادة بن الصامت أن رسول الله قال:(أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه برحمته ويحط الخطايا ويستجيب فيه الدعاء ينظر الله تعالى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل) فسارعوا إلى طاعة مولاكم واطرحوا شهواتكم وأهواءكم يكن لكم من الأجر العظيم والنعيم المقيم ما تقر به عيونكم وأول ما نهيئ به أنفسنا لاستقبال هذا الشهر الكريم بالتوبة والاستغفار فاستقبلوا أيها القراء الكرام رمضان بطهارة القلوب والتوبة من الخطايا والذنوب فقد دعانا إلى التوبة النصوح فقال سبحانه وتعالى:(يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير) (التحريم ـ 8) فلابد من توبة صادقة جازمة تمحو ما قبلها من السيئات.
قال العلماء: التوبة النصوح هي أن يقلع العبد في الحاضر عن الذنب وأن يندم على ما سلف في الماضي بالقلب وأن يعزم في المستقبل على عدم الأوب وأن يرد المظالم إلى أهلها إذا كانت تخص حق العبد .
وقال القرطبي ـ رحمه الله: التوبة النصوح يجمعها: أربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الخلان.
القارئ الكريم: أكثر من الاستغفار فهو دواء الذنوب فإن الذنوب مرض وداء وما أنزل الله داء إلا وأنزل له الدواء وما أنزل مرضا أو بلاء إلا وأنزل له علاجا وشفاء فالذنوب داء والاستغفار دواء وهو سلاحكم ضد الشيطان.
فقد توعدكم إبليس عليه أللعنة من الله وقسم بعزة الله وجلال الله وقال وغزتك وجلالك لأغوين بني آدم ما دامت أرواحهم في أبدانهم .. أتدرون بماذا رد الله عليه الرحمن الرحيم؟ قال رب العزة:(وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ماداموا يستغفرونني) فالله جل جلاله غفور رحيم يغفر لمن استغفر فهو الذي يقول في الحديث القدسي الجليل (يا أبن آدم: كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم.. يا أبن أدم: لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك… يا أبن أدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني ولا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) فحافظوا على الاستغفار وأكثروا منه بالليل و النهار فقد وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب) ـ رواه أبو داود واللفظ له والنسائي وابن ماجه وقال الله تعالى:(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) (نوح 10 ـ11 ـ 12).
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه .. آمين.
.. والله الموفق لما فيه الخير والرشاد.
إبراهيم عبد العزيز محمد فرج