كم أنا مشفق ومتعاطف مع الأسر التي لديها أطفال صغار في زمن الـ”كورونا”, فقد عانوا الأمرين خلال الشهور الماضية منذ ظهور الوباء في محاولة تخفيف وطأة العزل المنزلي على أطفالهم، والبحث عن حلول وبدائل تساعد أبناءهم على الخروج من هذه المحنة التي طال أمدها بسلام، بعد إغلاق المدارس ودور الحضانة والشواطئ والمتنزهات في وجه الأطفال، وجلوسهم أسرى للفراغ والملل خلف أسوار المنازل، والأبواب المغلقة لمن يعيش في شقة محدودة المساحة، ولم يجد الأطفال وسيلة يخرجون فيها طاقاتهم سوى الجلوس خلف وأمام الشاشات لساعات طويلة، الأمر الذي أضر بصحتهم النفسية واستنزف طاقاتهم الذهنية والجسدية, وربما إذا استمر الوضع أكثر من ذلك؛ قد يصابون بالبلاهة والانطواء والرهاب الاجتماعي، ناهيك عن تأثير “الحبسة” على اللياقة البدنية وزيادة الوزن.
مع إعادة فتح الأنشطة تنفس الأهالي الصعداء، ومنوا أنفسهم أن يعود أطفالهم لممارسة نشاطهم وحركتهم المعتادة، ولكنهم صدموا باستمرار لافتة “ممنوع دخول الأطفال” في المراكز التجارية والمقاهي والمطاعم التي حرصت في السابق على توفير مساحات مخصصة للأطفال, مزودة بالألعاب وأدوات الترفيه لجذب وتشجيع الأهالي على ارتياد المكان بصحبة أطفالهم وقضاء أكبر وقت دون قلق على صغارهم لتحقيق أرباح وإنفاق أكثر من المرتادين.
ورغم أن معظم الدراسات الطبية تؤكد أن الأطفال هم الفئة الأقل عرضة للإصابة بالمرض والأقل تعرضا لأضرار “كورونا” فبتحليل أرقام الوفيات في السلطنة جراء “كورونا” يتضح أنه لم تسجل حالات وفاة أقل من 20 سنة، ونفس الشيء بالنسبة للإصابات محليا وعلى مستوى العالم؛ فالأطفال أقل الفئات السنية التي أصيبت، ومن أصيبوا لم تظهر عليهم أعراض وإن ظهرت فهي خفيفة، ولكن تبقى الخطورة في تسببهم في انتقال العدوى لآبائهم أو أجدادهم من الفئات الأكثر عرضة لمضاعفات المرض.
ينتظر الأهالي بفارغ الصبر التعرف على الشكل الذي ستعود به الدراسة في العام الدراسي الجديد، وهناك تباين في مواقف أولياء الأمور؛ بين محبذ لعودة الدراسة بالطريقة التقليدية، خصوصا في مرحلة رياض الأطفال والصفوف الأولى، وبين معترض على مبدأ العودة، ويفضل الدراسة عن بعد؛ خوفا على أبنائه من انتقال العدوى، وصعوبة تطبيق قواعد التباعد ومضار ارتداء الكمامة والخوف من إساءة استخدامها, خصوصا للأطفال دون سن الثانية عشرة، وهناك فريق ثالث يميل لفكرة الدراسة الهجين التي تجمع بين الدوام في المدرسة يومين أو ثلاثة في الأسبوع وتلقي الدروس باقي أيام الأسبوع في المنزل “أون لاين”، لإتاحة الفرصة لتقليل كثافات الفصول الدراسية وتطبيق إجراءات التباعد، وخيرا فعلت وزارة التربية والتعليم بإشراك أولياء الأمور في اختيار الشكل الذي يرغبونه للدراسة عن طريق الاستبانة التي تم الإعلان عنها مؤخرا.
ورغم استمرار تفشي الإصابة بكورونا حول العالم، إلا أن هناك دولا كثيرة قررت فتح المدارس وعودة الأطفال لمقاعد الدراسة؛ ففي بريطانيا يصر رئيس الوزراء بوريس جونسون على عودة التلاميذ وفتح المدارس في شهر سبتمبر الجاري مستندا لرأي الأطباء ومراكز البحوث، فقد قال البروفيسور راسل فينر رئيس الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل إن هناك بحثا تم إجراؤه في 100 مؤسسة طبية يؤكد عدم وجود أدلة على انتقال الفيروس بين التلاميذ عند العودة للمدارس، وإن تأثير إغلاق المدارس على الأطفال يفوق مخاطر الإصابة بكورونا، واصفا استمرار الإغلاق بأنه لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيا محذرا من الإصابة بالسمنة والاكتئاب وسوء المعاملة التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال جراء “الحبسة” في المنزل، فضلا عن تراجع المستوى الدراسي للأطفال, وتم اختيار 20 ألف تلميذ ومعلم في مئة مدرسة في عموم بريطانيا لمراقبة انتشار كورونا حتى نهاية الفصل الدراسي، ويواجه قرار جونسون معارضة شديدة من نقابات المعلمين التي تخشى على أعضائها من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة, وهددت بإغلاق أي مدرسة تظهر فيها حالات كورونا لمدة أسبوع وتحويل الدراسة إلى “أون لاين”.
المصدر: اخبار جريدة الوطن