تحدثنا في اللقاء السابق عن حقيقة الإيمان وعلمنا أن للإيمان حلاوة حلاوة لا تعادلها حلاوة على مدار الدنيا كلها فمن ذاق عرف ومن حرم انحرف وحلاوة الإيمان في القلب تظهر على الجوارح بالأعمال الطيبة فالدين الإسلامي هو علامة الإيمان وحقيقة الإيمان وضحها القرآن الكريم بأنها تتمثل في أربعة صفات وسنفرد لكل صفة مقال فأولا: الخشوع في الصلاة فإذا أردنا أن نتحدث عن الصلاة والخشوع في فيها فلابد أن نتحدث أولا عن الطهارة لأنها مفتاح الصلاة فعن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها) ـ صحيح الإمام مسلم، وقال أيضا:(لا صلاة بغير طهور)، ويقول الله عز وجل في محكم القرآن: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جُنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) (المائدة ـ 6)، طهارة للبدن وطهارة للثوب وطهارة للمكان طهارة حسية لابد وأن تتوفر ثم ماذا الدخول في الصلاة بخشوع وخضوع وانقياد وتذلل لله رب العالمين حتى يتحقق الفلاح والسعادة والفوز في الحياتين في الدنيا والآخرة والخشوع هو حضور القلب وسكون الجوارح فعن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان والدة عائشة قالت: رآني أبو بكر الصديق رضي الله عنه أتميل في صلاتي فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(إذا قام أحدكم في الصلاة فليسكن أطرافه لا يتميل تميل اليهود فإن سكون الأطراف في الصلاة من تمام الصلاة) ، وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه)، وأخرج ابن سعد عن أبي قلابة قال: سألت مسلم بن يسار عن الخشوع في الصلاة فقال: تضع بصرك حيث تسجد وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة قالت:(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال:(هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ) فالسيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحدثنا ونحدثه ويكلمنا ونكلمه: فإذا حضرت الصلاة انه لا يعرفنا ولا نعرفه هذا هو خشوع الحبيب (صلى الله عليه وسلم) أما خشوع الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فيتضح لنا جليا كأنه الشمس في ضحاها والقمر إذا تلاها مع التابعي الجليل مع عروة بن الزبير بن السيدة أسماء ـ رضي الله عنها ـ بنت سيدنا أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ وما أدرك ما أبو بكر وما أدرك ما السيدة أسماء وما أدراك ما عروة أصيبت ساقه بالسرطان فقال له الأطباء يا عروة لا علاج لها إلا بالقطع فماذا يفعل؟ إنه أمام قضاء والقضاء قضاء الله ولا حيلة في القضاء إلا الصبر أيجزع من قضاء الله؟ أيفزع من حكم الله؟ لا أبدا وإذا بعروة يمتثل للأمر ويأتي لقطع ساقه ويحاول الأطباء إعطاؤه شيئا يخدرونه به حتي لا يشعر بألم القطع فيقول عروة والله لا أتعاطى شيئا يغيب عقلي عن ذكر الله قالوا فماذا أنت صانع يا عروة؟ فقال لهم عروة: إذا دخلت في الصلاة أنظروا إلى الخشوع والخضوع والانقياد والتذلل لله رب العالمين عند عروة إذا دخلت في الصلاة وجلست لقرأة التشهد فقطعوا ساقي فإني عندما أكون بين يدي الله لا أرى إلا الله أطرح الدنيا وما فيها ومن فيها إذا دخلت في الصلاة فقطعوا ساقي من شدة خشوعه لم يفكر في أهل ولا مال ولا ولد ولكن خشوعه جعله لا يرى إلا الله .. انه نموذج فريد.
والنماذج كثيرة التي تدل على الذين هم في صلاتهم خاشعون المؤمنون حقا .. هذا هو الإمام حاتم الأصم سئل ذات يوم كيف أنت إذا دخلت في الصلاة يا حاتم؟ قال لهم حاتم: إذا دخلت في الصلاة جعلت الكعبة أمامي والموت ورائي والصراط تحت قدمي والجنة عن يميني والنار عن شمالي والله مطلع عليّ ثم أتمَّ ركوعها وسجودها فإذا سلمت لا أدري أقبلها الله أم ردها علي خشوع لله كأنه يرى الكعبة أمامه وهو واقف بين يدي الله وقيل: الخشوع في الصلاة هو جمع الهمة والإعراض عما سواها والتدبر فيما يجري على لسانه من القراءة والذكر ومن الخشوع: أن يستعمل الآداب فيتوقى كف الثوب والعبث بجسده وثيابه والالتفات والتمطي والتثاؤب والتغميض وتغطية الفم والسدل والفرقعة والتشبيك والاختصار وتقليب الحصا وروي عن جماعة: الخشوع في الصلاة أن لا يجاوز بصره موضع سجوده.
هذا وإلى اللقاء في المقال القادم بإذن الله تعالى مع من حُكم لهم بالفلاح (والذين هم عن اللغو معرضون).
إبراهيم عبد العزيز محمد فرج