بحكم تواجدي في مجتمع ريادة الأعمال وإحتكاكي بالكثير من رواد مؤتمراته وملتقياته، أجد ان هذا السؤال يتكرر كثيراً. في ذلك المجتمع، تجد أن رواد الأعمال الجدد أو من يفكر في دخول هذا المجال يتأثرون بمن بمن قاد شركته للنجاح أو بمن قد يكونوا ملهمين بكلماتهم في المؤتمرات والملتقيات فبتالي قد يندفعون – وبشكل لاإرادي- للقفز من سلم الوظيفة والبدء في إنشاء شركاتهم الخاصة. هذا الشيء ليس سلبياً بحد ذاته وإنما آلية تنفيذه قد تكون غير موفقة لأن ترك الوظيفة والبدء بالعمل الخاص يتطلب تغييرات كبيرة في السلوك الشخصي وطريقة التفكير ومستوى الخبرات. سأحاول هنا أن أتكلم عن بعض الجوانب المهمة المتعلقة بإنشاء الشركة وسأقدم بعض الأفكار والخطوات العملية للتفادى المشاكل المستقبلية.
سبب إنشاء الشركة
قبل البدء، إسال نفسك لماذا تريد ترك عملك وإنشاء الشركة؟ هل لأنك تحفزت بعد مشاهدتك لأحد التجارب الناجحة وتود تكرارها؟ هل لأنك تبحث عن مال وأرباح ودخل أفضل مما أنت عليه؟ هل لأنك تكره وظيفتك الحالية أو مديرك؟ هل لديك شغف بمشكلة موجودة بالسوق وتريد حلها وإنشاء شركة من خلالها
بالتأكيد أن هناك الكثير من الأسباب التي قد تكون الدافع وراء هذه الخطوة، وصدقني، كثير منها غير منطقي. المهم هنا هو أنت، يجب أن تعرف السبب الحقيقي وراء إندفاعك لهذه الخطوة وأنت الوحيد الذي سيكون قادر على تحديد ما إذا كان السبب حقيقي ومنطقي ويستحق هذه الخطوة أم لا.
إدارة الشركة
قبل أو أثناء أو بعد إنشاء شركتك الناشئة، من المهم جداً أن تكون توقعاتك عن هذه الشركة ومتطلباتها وتفاصيلها الإدارية والتشغيلية صحيحة حتى لا تقع الصدمة. أولاً، يجب أن تعلم أن مستوى المخاطرة في الشركات الناشئة عادة ما تكون عالية، وعالية جداً لذلك اغلب الشركات الناشئة تفشل كما تقول الإحصائيات. ثانياً، الشركة تحتاج رأس مال وجزء كبير من رأس المال قد يكون أنت، يعني اذا كنت متفرغ ستستطيع توفير الكثير من التكاليف على الشركة وهذا مهم جداً في البدايات. ثالثاً، الشركة الناشئة لايكفيها ٨ ساعات عمل، ولا حتى ٢٤ ساعة . فقارن هذه الحقيقة بكونك تعمل فيها بشكل جزئي (part time) حتى تستطيع تخيل كيف سيكون شكل الشركة ومدى لحاقها بالمنافسة. رابعاً، إذا كنت تعمل في الشركة بدوام جزئي، فكيف ستستطيع إقناع موظفيك بالعمل دوام كامل؟ ليس هذا فحسب، كيف ستسطيع إلهامهم للعمل بجد وإجتهاد لإن الإلهام يأتي من الإيمان بالفكرة التي لم تقنعك بترك عملك. خامساً، إذا كنت تحتاج مال المستثمرين، فإنهم لن يخاطروا بأموالهم للإستثمار في شركتك إذا لم تخاطر بوظيفتك.
إدارة الدخل الشخصي
في الوظيفة، تعلم تماماً أن هناك دخلاً ثابتاً ستحصل عليه في آخر الشهر وهذا يساعدك على إدارة دخلك الشخصي والتخطيط لكل شيء في حياتك وحياة عائلتك. أما إذا أسست شركتك الناشئة، فالمعادلة تختلف تماماً لأنه لن يكون هناك “البحبوحه” الماديه التي تتمتع بها الشركات الكبيرة المستقرة. لذا، لن يكون هناك دخلاً شهرياً ، بل سيكون هناك صرفاً شهرياً على الشركة وتكاليفها التشغيلية. ليس هذا فحسب، في أحسن الأحوال سيستغرق منك الأمر أشهراً طويلة وقد تصل لسنة وأكثر حتى تبدأ الأمور بالتحسن من خلال المبيعات أو جذب المستثمرين. أما أسوأ الأحوال المتوقعة هي الفشل حيث أن أغلب الشركات الناشئة تفشل لذلك يجب أن تكون لديك خطة بديلة.
هل أترك وظيفتي؟
الآن ،وقبل ترك وظيفتك، تستطيع إتخاذ القرار المناسب لأن ما تحدثنا عنه حتى الآن يجهله كثير من رواد الأعمال الجدد ويتعلمون هذه الأشياء بعد أن يلقوا بأنفسهم في وسط المحيط وقليلٌ من ينجوا منهم. قرار ترك الوظيفة يختلف من شخص إلى آخر بحسب وضعه وقدراته وإمكانياته وخبراته، ولكن بعد أن أصبحت التوقعات أكثر وضوحاً بالنسبة لك، سأسرد خطوات مختصرة جداً يجب أن تتخذها قبل ترك وظيفتك:
التحقق الأولي من الفكرة
بما أن الفكرة هي محور عمل الشركة، يجب عليك أولاً التحقق منها ومن آلية حل المشكلة الموجودة حتى تبني عليها خططك التوسعية. هناك طرق كثيرة للتحقق من الفكرة لمعرفة مدى حاجتها في السوق وهي بالتأكيد تختلف من شركة إلى شركة ومن قطاع إلى قطاع. من أهم الطرق هو إستهداف اصحاب المشكلة وعرض الحل عليهم بشكل شفهي او من خلال عرض تقديمي او أسئلة حتى تستطيع أخذ آرائهم وأفكارهم التي عادة ما تنطلق من زوايا أخرى لم تفكر فيها. بعد ذلك حاول أن توسع دائرة التحقق ومعرفة مدى إهتمام الناس بما ستقدم من خلال تصميم موقع إكتروني مبسط جداً يشرح الفكرة مع زر للتسجيل أو إرسال الإيميل لإبلاغ الزائر بإطلاق المنتج. إذا كانت المؤشرات هنا جيدة وعدد الزوار الذين سجلوا إهتمامهم بالفكرة مقبول بالنسبة لك، هذا يعني أن منتجك “قد” يلقى قبول بعد الإطلاق.
بناء المنتج الأولي
المقصود بالمنتج الأولي هو نسخة مبسطة جداً من البرنامج أو الموقع أو التطبيق حتى تتأكد من طريقة حلك للمشكلة التي تعمل عليها. المنتج الأولي يجب أن تكون جودته مقبولة جداً ويجب أن يكون مركز جداً على وظيفة وحدة وهي حل المشكلة. تأكد من عدم إنجرافك وراء الخصائص الأخرى التي قد تجعل المنتج يبدوا متكاملاً لأن هذا سيسبب لك مشاكل انت في غنى عنها في هذه المرحلة. ضع في بالك أن الهدف هو إطلاق المنتج بأسرع وقت وأقل تكلفة للتحقق من فرضياتك التي وضعتها لحل المشكلة وليس لإطلاق أفضل منتج. بعد ذلك ستحصل على آراء المستخدمين ومقترحاتهم التي ستساعدك على تحسين منتجك وهذه الدورة ستستمر معك إلى أبد الآبدين.
بعد هذا كله، إذا لم تستطيع الحصول على مستخدمين وعملاء أوليين فهذا مؤشر قوي جداً على أن لديك مشكلة كبيرة في منتجك أو في خدمتك أو في طريقة حل المشكلة والأسوا من ذلك هو أنك تحاول حل مشكلة ليس لها وجود لذلك لايوجد له مستخدمين وعملاء. أما إذا كان عدد المستخدمين والعملاء والمبيعات في إزدياد فهذا مؤشر إيجابي. ويبقى السؤال هنا، متى تترك وظيفتك؟. يجب أن تحدد مسبقاً ماهو الرقم الذي تعتبره مؤشراً أولياً للنجاح وبه تعتقد أن المخاطرة أصبحت أقل لأن هذه سيساعدك على الإجابة على السؤال الذهبي، هل أترك وظيفتي الآن؟
أخيراً، أود أن أنبه إلى أن ريادة الأعمال طريقٌ صعب جداً ومفروش بالأشواك وليس الورود كما يصوره البعض ويتطلب الكثير من الجهد والعمل وأيضاً الخبرات لتحقيق النجاح. لست هنا لنشر الإحباط وإنما عرض الحقيقة كما هي حتى تكون في أتم أستعداداتك في حال فشلت، فبتالي يجب عليك التخطيط بشكل جيد لهذه المرحلة من حياتك حتى لا تجد نفسك في مشاكل مادية أو إجتماعية أو ربما قانونية تؤثر عليك بشكل سلبي.
التدوينة هل أترك وظيفتي لإنشاء شركة؟ ظهرت أولاً على عالم التقنية.
المصدر: أخبار التقنية