احدث الاخبار
أنت هنا: الرئيسية / اخبار جريدة الوطن / هل سمعت بــ(طلاق الكورونا)؟

هل سمعت بــ(طلاق الكورونا)؟

أ.د. محمد الدعمي

لم يبالغ العديد من الكتاب والمراقبين عندما تحدثوا عمّا أطلقوا عليه عبارات من نوع “زمن الكورونا”، أو “عصر كورونا”، ذلك أن مثل هذه التسميات التي لم يكن لها وجود قط قبل بضعة أشهر، قد ظهرت وتبلورت الآن. وقد دلت معطيات هذا الفيروس القاتل على أنها تستحق الرصد والتحليل في عالم متواصل التغير، نظرا لما انطوى، لما عليه من مستجدات لم تكن في الحسبان، ومنها العبارة أعلاه التي اعتمدناها عنوانا لهذه المقالة، وكما في أعلاه.
أما ما ادعاه أحد المسهمين في وسائل التواصل الاجتماعي من ملاحظة تزايد أعداد حالات الطلاق بعد انتشار جائحة فيروس كورونا، وبعد إخفاق العلوم الآدمية في هزيمة هذا الفيروس أو الفشل في إيجاد “لقاح” يكفي البشرية والأجيال القادمة شرور الفيروس القاتل، فلا ينطبق على بعض مجتمعاتنا المحافظة في الشرق الأوسط حسب، أنه بالرغم ينطبق بشكل دقيق جدا على المجتمعات الغربية، الأميركية على نحو التحديد الخاص.
أما ما يدعيه علماء الاجتماع الأميركيون من أن نموذج العائلة الأميركية، أو ما أطلقوا عليه أنموذج “العائلة الديمقراطية”، فقد تبين أنه لا يختلف كثيرا عن نماذج العوائل في المجتمعات الهشة التي تعد “متخلفة” عبر قارتي آسيا وإفريقيا؛ ودليل ذلك هو تكرار وتزايد حالات “طلاق الكورونا”، على نحو لا يقل كثافة عما شهدته مجتمعات يكون نموذج العائلة فيها “أبويا”، أو يعتمد الأم، كقائدة ومديرة لأحوال الأسرة، كما هي عليه الحال في مجتمعات بعض القبائل البدائية المنتشرة ما بين إفريقيا و”غابات الأمازون”، مرورا بجزر جنوب المحيطين الهادي والهندي القاصية، مثل جزيرة “تسمانيا”!
الفكرة، التي أحاول ملامستها في هذا السياق، يمكن أن تختزل في ملاحظة أن الفيروس المستجد “كورونا” قد فرض على النوع الآدمي مستجدات مهمة توازي في آثارها المدمرة أو المخربة آثار الفيروس أعلاه المباشرة على صحة وأعداد السكان وعلى القطاعات الصحية والاقتصادية والخدمية، بشكل غير مباشر.
ولا ريب في أن فرض واعتماد الحجر المنزلي قد أماط اللثام عن عدة حقائق ومعطيات مهمة كانت خافية على الأزواج والزوجات في الأزمنة السابقة: ومن هذه الحقائق، تبرز حقائق الخفايا الخفية للشخصية، نظرا لأن العوائل (عبر العالمين الغربي والشرقي) إنما تعتمد حدا معينا من “النفاق الاجتماعي” المشحون بالرياء والتملق وادعاء الآباء الأزواج والزوجات بما ليس فيهم أو في حوزتهم من سجايا.
غالبا ما يخفي أحد الزوجين في الأسرة الواحدة شيئا أو مثلبة من صفاته السيئة أو الكريهة أمام شريكه أو شريكته في الأسرة. لذا، جاء “الحجر المنزلي” بمثابة الإيذان بإماطة اللثام أمام الزوجة ما كان زوجها قد أخفاه عليها من سيئات لعشرات السنين بسبب النفاق والميل إلى الادعاء بما ليس في المرء، والعكس صحيح. لقد تعرضت العديد من الزوجات لصدمات عنيفة بعد اضطرار أزواجهن للبقاء معهن داخل جدران الدار لمدد طويلة، إذ يصعب على كل طرف في “معادلة الأزواج” الكونية أن يخفي مثالبه وعاداته السلبية، نظرا لأن الحجر المنزلي لا يمكن إلا أن يزيل الغيمية عنها وذلك بالمعايشة اليومية.
وللمرء أن يستذكر حال رجل بقي مثابرا على المحافظة على درجة من “الرومانسية” في علاقته بزوجته مذ تعرف بها، وثم عبر مرحلة خطوبتهما، إذ شاب هذه العلاقة، مدعاة الاستذكار والتهكم، الكثير من الأداء المسرحي و”التمثيل” اللذين لا يمكن أن يستمرا بعد تعايشهما معا في منزلهما لمدد طويلة قد تتجاوز الأشهر.
وهكذا، أتاح الحجر المنزلي حقائق (قد تكون مريرة) لم تكن الزوجية تعرفها عن زوجها، والعكس صحيح. ومن هذه الحقائق تبرز العادات السيئة والميول القسرية لأحدهما التي لا يمكن تجنبها أو “تلطيفها” عندما يحيا الزوج مع زوجته داخل جدران دار واحدة، بلا إمكانية لتحرر الأول من الثانية، أو الثانية من الأول، ولو لبرهة.
لقد دق اكتشاف هذه الخفايا من قبل “شريك الحياة” ناقوس الخطر، خصوصا عندما يكتشف الزوج بأن زوجته لم تكن سوى حلم سرابي قابل للتلاشي عندما يعيشان معا في بيت واحد. لذا، فقد جاء الحجر المنزلي بالمواجهات العائلية واختلافات الرؤى والتنافر المزاجي والذوقي الذي يمكن أن يهبط حد الاختلاف على متابعة قناة تلفزيونية واحدة! أما عن “ذوقيات” الملابس والمكياج والوجبات الغذائية فحدّث ولا حرج، بمعنى أن هذه الاختلافات التي كانت تبدو، على السطح، تافهة وغير مهمة، يمكن أن تدق إسفينا بين الرجل وزوجته درجة الاقتناع بالافتراق أو بــ”الطلاق” بسبب فروضات فيروس لا يمكن أن يرى إلا بالمجهر الإلكتروني. وهذا هو شر الحلال!
المصدر: اخبار جريدة الوطن

عن المشرف العام

التعليقات مغلقة

إلى الأعلى