
طارق أشقر
في الحدث
طارق أشقر
من أسرة تحرير (الوطن)
ashgartariq@yahoo.com
عند إعلان تعيينه سفيراً اقليميا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من جانب منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة – اليونيسيف – في الأسبوع الماضي، كشف الموسيقار الأردني المتميز في مجاله زيد ديراني، عن خططه في التركيز على تعزيز حقوق الأكثر تهميشا والعالقين في الصراع والعنف والفقر بالمنطقة، منوهاً للصحفيين في العاصمة الأردنية عمان بأنه سيستخدم الموسيقى لعلاج اللاجئين في المخيمات!
بهذه الخطة الرومانسية في زمن الصعاب، قد يتساءل الكثيرون عن كيف يتمكن السفير الاقليمي للمنظمة الدولية من معالجة اللاجئين المقهورين المشردين باستخدام انغام الموسيقى، سواء كانت معزوفة على الأوتار، أو على الايقاعات والطبل، أو حتى على المزمار والناي والسيكسفون، فيما توجد داخل اولئك اللاجئين جروح غائرة تنزف حزناً على فراق عزيز وتتأوه ألما من جرح قطعي او ألم ذراع مبتورة اثر انفجار قنبلة، وتنوح حسرة على ما تهدم واندثر من مأوى دائم في وطنه.
ترى هل ستستدعى الموسيقى الاممية الجديدة ما عرفته الذاكرة الفنية لشعوب الشرق الأوسط وشمال افريقيا بعضا من اغنيات متجذرة في الثقافة العربية واسهمت في تشكيلة ذائقتها منذ الاربعينيات، وكان ابرزها رائعة بيرم التونسي (ظلموني الناس) لام كلثوم، فضلا عن اغنية الحقيبة السودانية (ظلموني الناس) للشاعر عبيد عبدالرحمن والتي تغنى بها الفنان السوداني ابراهيم الكاشف وما زالت خالدة الى يومنا هذا.
هل بالامكان أن يكتفي أولياء أمور الأطفال الذين يتعرضون للاغتصاب في بعض معسكرات اللاجئين خارج اليونان حسب افادات المنظمات الدولية، بأن يرددوا مع موسيقى الامم المتحدة المقصود بها علاج اللاجئين، ان يرددوا “ظلموني الناس والحق معايا وسقوني من أساهم ولاحنوا على ضعف صبايا، والدنيا عليا مساعداهم”
انهم حقاً وكغيرهم من الصبايا الجرحى والمشردين والغرقى والقتلى نحراً وذبحاً وتفجيراً وهدماً وغيرهم من اللاجئين، ومجهولي المصير والمستقبل من ضحايا الحروب ضعاف البنية سيئ الحظ ظلموهم أهلهم بعدم مراعاة مصائرهم عند التعاطي مع صراعاتهم السياسية المتعددة الأهداف.
كيف ستتمكن الأمم المتحدة ممثلة في اليونيسيف أن تنفذ خطط سفيرها الاقليمي في علاج اللاجئين في شمال إفريقيا مثلا بالموسيقى؟ فهل ينبغي تأطير المعزوفات بشكل قطري، بمعنى العمل على احداث التناغم بين السلم الموسيقي وبيت القصيد كل حسب سلمه ونغماته التطريبية وثقافته الاقليمية، أم بالتأكيد على ان الموسيقى لا تعرف الحدود؟ ولكن لا ضير في ان تتغنى أمهات الأطفال الذين نحرهم أهلهم في جنوب السودان ببعض مفردات أغنية ظلموني الناس للفنان السوداني الكاشف لتصدح قائلة وهي تزرف الدموع حسرة : ” ظلموني الناس وجاروا عليا … والجور ده كتير عليا … رفقاً يا ملاك بيا .. عشان حبك ظلموني الناس ” فلتستعير مفردة الحب تلك وتلبسها ثوب حب الوطن ليستقيم القول هنا.
كيفما كانت حداثة الطرح الأممي الجديد في التعامل مع مشاكل مخيمات اللاجئين ومعالجتها عبر اليونيسيف خصوصا في ما يليها من جوانب العمل الأممي، فإن التعاطي مع هكذا معضلات انسانية حتى ولو بمنطق التخصص، يحتاج إلى رؤى أكثر عمقا، وعلاجاً يأخذ منحى جذريا بشكل اقوى من اجل تسريع المعالجات وتوظيفها بما يجب ان يكون، حيث ينبغي معالجة الأسباب وتجفيفها قبل مخاطبة النتائج والتداعيات.
لذلك فإن كان لا بد من استخدام الموسيقى في التعاطي مع الحروب والصراعات كأسلوب علمي جدير بالاحترام، فالأحرى عزفها اولا لعلاج من لا يترددون في التفجير والتفخيخ والتقتيل بمختلف انحاء العالم دون اي تصنيف سياسي لمن هم أولى بالعلاج اينما ما وجدت المجتمعات الانسانية. كما ينبغي عزف تلك الموسيقى في أذان من تجرؤ نفوسهم لاستغلال ظروف اللاجئين المشردين فينتهكون عروضهم نساءً كانوا أو اطفالا. أما اللاجئون فهم في حاجة للاستقرار أولا والإحساس بأن حقهم في الحياة مصون ومن ثم نلتفت إلى مخاطبة التداعيات النفسية للقهر والتشرد ودون الحاجة لكي يغني اللاجئ منهم ظلموني.