في مثل هذا اليوم من شهر يناير عام 1971م انطلق صوت “الوطن”، صوت العمانيين الأول، حين أسرجت قلم الحقيقة من قلب الحدث، مواكبةً بالكلمة والصورة عطاءات النهضة المباركة ومنجزاتها التي كانت الحدث الوطني العظيم الذي انبلج نوره الوضاء والعميم على هذا الوطن العزيز في الـ23 من يوليو عام 1970م، ومواكبةً بيارق مجد النهضة المباركة المرفرفة فوق سماء عُمان والعالم بأسره، سائرة على هدي معلمنا ووالدنا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أضاء بنهجه وببصره وبصيرته دروب النجاح والعطاء. وعلى هديه الحكيم وثقته الغالية في الإعلام العماني ودوره الوطني، وضعت “الوطن”ـ كأول صحيفة عمانية رائدة ـ عجلة انطلاقتها على سكة مسيرة الإعلام العماني، مسجلةً بكل فخر وسؤدد كل لبنة من لبنات هذا الوطن الكبير الشامخ بشموخ قائده المخلص وشعبه الوفي بالكلمة المملوءة حروفها انتماءً ونماءً وولاءً وعرفانًا، وبالصورة الصافية بصفاء أنفس القائد وأبناء شعبه الأوفياء، النقية بنقاء قلوب رافع مجد عُمان وأبناء شعبه المخلصين. “الوطن” التي علمت ـ ولا تزال ـ حروفها ما أحلى الوطن، وأسهمت بصدق الكلمات معنى أن يكون الوطن عُمان، وأنتجت تلك الفخامة من العبارات كي يظل الوطن يقظًا على أيامه القادمة.
وفي مثل هذا اليوم، أطلقت “الوطن” صوتها العروبي الداعي إلى وحدة الكلمة والصف والموقف، ومواكبةً قضايا الأمة، مخاطبةً ضمير الأمة وكل ضمير حر في العالم، مدافعةً عن كرامة الأمة وحقوق الإنسان بسيف قلمها العروبي والقومي، لتشكل ـ على الدوام ـ بخطابها الصادق والأمين بألوان مدادها وعيًا عربيًّا عامًّا لدى الشباب العربي، وتؤهلهم للاندماج والتفاعل مع مجتمعاتهم وبما يعود عليها وعليهم بالخير والرخاء والاستقرار، وتغرس فيهم قيم الولاء والانتماء للوطن والأمة، وتضع البوصلة أمامهم في اتجاه واحد وهو اتجاه قضيتهم العادلة؛ القضية الفلسطينية، وعدوهم الأوحد وهو كيان الاحتلال الصهيوني، فكل ما تتكبده المنطقة اليوم، بل والعالم جراء هذه الجرثومة السرطانية التي تنخر المنطقة وتدمر إنسانها وبنيانها وتهدم استقرارها وتضرب سلمها وأمنها ورخاءها وتنميتها.
لقد حرصت “الوطن” أن تبقى في كل المراحل مخلصة لكونها “صوت العمانيين الأول”، وأن لا تخذل صوت الأمة، باعتبارها أحد المنابر العروبية القليلة في هذا الزمن الذي غابت فيه المصداقية وسط الضجيج المفتعل، والأزمات المعدة والعاصفة بهذه الأمة. وفي غمرة هذا الضجيج وتلاطم الأزمات، صدح وارتفع الصوت العماني العربي الأصيل النقي الواضح لـ”الوطن” معززًا صوتها الوطني، ومساندًا المواقف الحكيمة والعاقلة والمتزنة والمتوازنة للسلطنة.
“الوطن” وهي تضيء اليوم شمعتها السادسة والأربعين بعد أن حجزت مقعدها الوثير بين قامات الإعلام المقروء، وفي ظل الفضاءات المفتوحة، سيظل حبر كلماتها وحروفها المسكوب على صفحاتها الورقية له رائحته الزكية وحيويته الندية، وقيمته لدى القراء الكرام كقيمة الدم في جسد الإنسان، موظفةً هذا الحبر للتنوير والوعي، راصدةً قلب الحدث بالدقة والموضوعية والعقلانية والمنطقية دون مبالغة أو زيادة أو نقصان، وبالتحليل بكل تجرد ورصانة واتزان وموضوعية وشفافية بعيدًا عن التهويل والتشنجات وإثارة النعرات والاعتلالات، ولتحافظ بشكلها الحالي على نصاعة الخطاب الإعلامي العماني وصفائه، فالورق لا يفقد قيمته مهما تعصرنت الحياة وتوغلت في الفضاء السيبراني.
وإذ تستشعر “الوطن” وشقيقاتها الفخر والاعتزاز بما حققته طوال مسيرتها الإعلامية، وتستظل بظل القيادة الحكيمة الأبوية الحانية الكريمة لهذا الوطن الكبير ليطيب لها في يوم ميلادها اليوم أن تتقدم بأزكى آيات الشكر والتقدير والعرفان وأجلها إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أعلى صروح الكلمة وشاد مجدها وكرَّم أرباب القلم وصناع المعرفة والثقافة والأدب، وهيأ أسباب الرقي والتطور لوسائل الإعلام. كما يطيب لها أن تتقدم بوافر الثناء وجزيل الشكر إلى قرائها الكرام، وللمؤسسات الحكومية ولشركات ومؤسسات القطاع الخاص على حفزهم إياها على الانطلاق المتجدد والمساير للتطور المتسارع لأدوات الاتصال الجماهيري. وتزجي التحايا العبقة إلى أولئك الفرسان المؤسسين الأوائل لـ”الوطن” الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذا الصرح الإعلامي الكبير، ولهذه الانطلاقة الإعلامية المشهودة، وفي طليعتهم ـ المغفور لهما بإذن الله تعالى ـ نصر بن محمد الطائي وسليمان بن محمد الطائي، والتحية أجملها إلى فارسها “أي الوطن” القائم بأحوالها ومدبر شؤونها وناظم عقدها هي وشقيقاتها صاحب الامتياز المدير العام رئيس التحرير محمد بن سليمان الطائي الذي سخر طاقاته وجهوده الطيبة لبلوغ هذا الشأو الإعلامي المبدع والخلاق. والشكر موصول إلى العاملين الذين رسخوا بجهدهم العقلي والبدني ومثابرتهم هذا الصرح الإعلامي، من محررين وفنيين ومصورين وموزعين وغيرهم على مدى 45 عامًا.
نعم،”الوطن” بكبريائها وبمصداقيتها وشفافيتها واتزانها وتوازنها، ودقتها وموضوعيتها وعقلانيتها، مثلما كانت هي فاتحة خير وبداية طيبة مع التجربة الخلاقة التي ولد بها هذا الوطن العزيز، وكانت هي ولادته، ستبقى نضارتها تسر كل من أحب فيها الانتماء، وستظل نكهة عُمان وأحد منابر صوتها العقلاني والحكيم والوطني والعروبي.
الوطن