من أعظم القربات التي تقرب الإنسان إلى محبة الله ورسوله قراءة القرآن الكريم الذي هو كلام الله عز وجل ووحيه وتنزيله أنزل الروح الأمين جبريل عليه السلام على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة بسورة الناس المنزول بالتواتر وهو مخلوق وجاء من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه { من أحب أن يحبه الله ورسوله فينظر فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله ورسوله } فبالقرآن تعرف أسماء الله وصفاته وما يليق به عز وجل والوعد والوعيد والجنة والنار ولقد شهد لهذا القرآن من أعداءه قبل أتباعه فهذا الوليد بن المغيرة وهو من أشد الناس عداوة لله ولرسوله ومع ذلك ما منعه أن يقول كلمة حق القرآن قال { والله إن له لحلوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه يعلو ولا يعلى عليه } وقال أحد المستشرقين { مازال هذا القرآن عند العرب فلن نستطيع أن نهزمهم } وقد جاء الأمر بأهمية تعلم القرآن ومدارسته فقد جاء في مسند الإمام الربيع بن حبيب { تعلموا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأهله } وجاء { تعلموا القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو} فحري بكل مسلم أن يتمسك بكتاب الله ولا يهجره ويكون حاله كما قال الله تبارك وتعالى عن الذين هجروا القرآن { وقال الرسول يارب إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجوراً } والأمة مطالبة بالعمل بالقرآن لأن فيه سعادتها وعزها وهيمنتها على العالم بأسره ففي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم { تركت فيكم شيئين ما إن تمسكتم بها لن تضلوا بعدها كتاب الله وسنتي } ويقول { تركت فيكم واعضين صامت وناطق فأما الصامت فهو الموت والناطق هو القرآن } ولما ضيعت الأمة كتاب ربها أصابها ما أصابها من الذل والخسران ولم ترتفع إلى المعالى التي بؤاها الله تعالى إياها ولم تقتدي بما كان عليه ألسلف الصالح من إهتمام بالقرآن وصدق من قال : ما خاب من كان القرآن دليله بل ان صاحب القرآن تعلوا منزلته عند ربنا سبحانه وتعالى فقد جاء في القرآن إقراء ورتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آيه تقرأ بها } وبتلاوة القرآن يزداد المؤمن نضارة وحسناً وجمالاً قلباً وقالباً بالقرآن يزداد المسلم قدراً وشرفاً دنيا وآخره { إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين وتلاوة القرآن هي التجارة الرابحة بين الإنسان وخالقه وهي لن تكون خاسرة ما زالت مدعومة بالإخلاص
قال تعالى { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } وهو شفاء من الأمراض والأسقام قال تعالى { ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر من تلاوة القرآن ويتدارسه مع جبريل عليه السلام وفي السنة التي قبض الله فيها صلى الله عليه وسلم دارسة جبريل عليه السلام القرآن مرتان عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ” فإن سلف هذا الأمة أدركوا أهميتة قراءة القرآن وخصوصاً في رمضان فإنحنت أصلابهم في العبادة والطاعة وتلاوة القرآن وتجدهم يتحلقون حلقاً { إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وكان الإمام مالك اذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث وأقبل إلى قراءة القرآن وكان الرعيل الأول يختمون قراءة القرآن كل ثلاثة أيام ويتحلقون حلقاً في المساجد وبعد صلاة الفجر وإلى شروق الشمس وهكذا بعد العصر يقرأون القرآن وتفسيره, كثير من الناس يقبلون إلى قراءة القرآن ولكن نحن بحاجه إلى إلتزام قراءة القرآن وحفظه وترتيله في جميع أشهر السنة إذ ليس للعبادة وقتاً معينا أو موسماً واحداً وبقية أيام السنة لعب ولهو بل أن الجميع مطالب أن يحافظ على وقته ويستغله في كل نافع ومفيد فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { خيركم من تعلم القرآن وعلمه } فهذه هي فضيلة من تعلم القرآن وعلمه من لا يعلمه ومن الناس وله بكل حرف أجر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فالأصل أن يستغل رمضان في فعل الطاعات وقراءة القرآن وغيرها لا أن ينشغل الناس فيه بحطام الدنيا وخصوصاً أنه لا يأتي في السنة إلا مرة واحدة ولا يتعدى أكثر من ثلاثين يوماً وخصوصاً أنه في العشر الأواخر منه ليلة خير من ألف شهر أنزل فيها القرآن العظيم قال سبحانه { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين فيها يفرق كل أمر حكيم } وقال { إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر } فمن حرم خيرها فقد حرم الخير كله وقد جاء في الحديث { من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه} ورمضان أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ر {ومن السنة الفعلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أقبلت العشر الآواخر من رمضان شد مئزره وأيقظ أهله وأحيا ليله } كناية على شدة إجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبادة وعدم تهاونه في استغلال تلك الأيام المباركة كما أن أصحابه الكرام لازموا على صلاة التراويح وصلاة السحور تجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم مليئا بهم ومن المؤسف له حقاً أنك تجد المساجد في الأسبوع الأول ممتلئة بجموع المصلين وإذا انتصف الشهر ودعوا المساجد بدون الرجوع إليها واشتغلوا بملابس العيد وأغراضه واعتكف في الأسواق ينتظرون الجديد فيه فكيف سيقر للأمة قرار ويكون لها كيان وتكون في مصاف الدول المتقدمة وهكذا حالتها لا تحسن إحترام دينها ولا تقدس ما قدسه الله ورسوله ولم تلتزم شريعة ربها ولم تعمل سنة نبيها صلى الله عليه وسلم وكفرت بأنعم الله تعالى وتعالت على فطرتها السليمة ولم تنزل شهر رمضان الكريم منزلته التي أنزلها الله لها وكيف يكون أهلها من المفلحين وفي شهر رمضان إجتمع شفيعان للعبد يوم القيامة ألا وهما الصيام والقرآن جاء من حديث عبدالله بن عمرو : أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول {الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان } فكل واحد منا محتاج إلى هذه الدرجه إلى هذه الشفاعة وذاك التكريم وإنها لفرصة لا يصح التغافل عنها بالحسبان وسيتكثر الصائم من الدعاء بخيري الدنيا والآخرة مع مراعاة عدم الدعاء بأثم أو قطيعة رحم جاء في الحديث { يستجاب لأحدكم مالم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي } وجاء في الحديث { الدعاء مخ العبادة } وجاء بعد أن ساق سبحانه آيات الصيام ختمها بقولة { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان } ، وقال عز وجل { ادعوني أستجب لكم } وأفضل الدعاء ما كان نابعاً من القلب ولم يخالصه ريا ولا سمعه فكل عمل ترفعه أو تخفضه النية الصادقه قال تعالى { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } ويقول وعلى نياتكم ترزقون { وقال صلى الله عليه وسلم { إنما الأعمال بالنيات ولكل إمريء ما نوى } وجاء في المسند الرفيع للإمام الربيع بن حبيب { نية المؤمن خير من عمله } وأفضل الدعاء ما كان في أدبار الصلوات قال تعالى { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } أي إرغب إليه بالدعاء . وفي ثلث الليل الآخير وفي يوم الجمعة فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم { إن في يوم الجمعة ساعة لا يصادفها عبد مؤمن إلا وإستجاب الله له وعند الفطر يدعو بما شاء ويأتي بهذا الدعاء { الللهم إني لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الضمأ وبتلت لعروق وثبت الأجر إن شاء الله } وبين الآذان والإقامة وبالجملة فهناك الكثير من المزايا والخصائص لا تحدها كلمات ولا مقالات مختصرات ولذا كانت إيامه ولياليه فرصة يتنافس فيها المتنافسون ويجتهد فيها المجتهدون ويشمر فيها المشمرون ومجالاً يتزود فيه المتزودون بوقود الباقيات الصالحات وأسمى الغايات من الرضوان ودخول أعلى مراتب الجنان ومن باب الريان الذي لا يدخله إلا من صام إيماناً واحتساباً فالخاسر من أفلت رمضان من يده وسوف وتمنى على الله الأماني وأتبع نفسه هواها وخسر الخسران المبين .
منذر بن عبدالله السيفي