يوسف السرحني:
الإسراف في رمضان ظاهرة قديمة وعادة واسعة الانتشار اعتاد عليها المسلمون منذ زمن بعيد
ـ الصوم غذاء للروح وضبط للنفس وصحة للاجسام،ومن نتائج الإسراف علل وأمراض وأسقام
ـ الإسراف والتبذير تصرفان مموقتان وسلوكان خاطئان يدلان على الغرور والسفه وعواقبهما وخيمة ونتائجهما مؤلمة
ـ الإسلام دين الفطرة السوية يحقق مطالب الروح ومطالب البدن وفق منهج وسطي لا إفراط فيه ولا تفريط
التقى به ـ علي بن صالح السليمي:
قال الدكتور يوسف بن إبراهيم السرحني خبير بوزارة التعليم العالي: لا ريب أن المال ضرورة من ضرورات الحياة فهو كما يقال عصب الحياة، يقول الشاعر:
بالعلم والمال يبني الناس ملكهم
لم يبن ملك على جهل وإقلال
موضحا هنا بأن النفس البشرية قد جلبت على حب المال والتعلق به والحرص عليه، والبحث عنه وكسبه وتحصيله، يقول الله تعالى في سورة الفجر الآبة (20):(وتحبون المال حبًا جمًا)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):”إذا اعطي ابن آدم واد من ذهب أراد وادياً ثانياً، وإذا أعطي الثاني أراد وادياً ثالثاً وما يملأ جوف ابن آدم إلا التراب”
وقال: ان المال نعمة من الله تعالى، وهو نوع من أنواع الزينة في الحياة الدنيا، ويقول تعالى في سورة الأنعام الآية “14″:(زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)،والمال مال الله تعالى والإنسان مستخلف فيه، ومسؤول عنه، ومحاسب عليه، يقول الله تعالى سورة النور الآية”33″:(وآتوهم من الله الذي آتاكم)، ويقول تعالى سورة الحديد الآية”7″:(واتقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):”لا تزول قدم عبد يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به”.
* موقف الإسلام من المال
وقال الدكتور السرحني: ان الإسلام دين الفطرة السوية، فهو دين يلبي الدوافع الفطرية، والرغبات الأولية، ويحقق مطالب الروح، ومطالب البدن وفق منهج وسطي لا إفراط فيه، ولا تفريط، فالإسلام أحل المال، وشرع طرق الكسب الحلال لنيله وتحصيل وتملكه، ومن تلكم الطرق والوسائل العمل والتجارة والزراعة والصناعة والميراث، والهبة والصيد على أن لا يكون جمع المال في حد ذاته غاية وهدف، وإنما يجب أن يكون وسيلة لتحسين مستوى الحياة، والعيش الكريم، والتحدث بنعمة الله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى:(وأما بنعمة ربك فحدث) ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم): “إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”، لأجل ما تقدم حرم الإسلام كنز المال وادخاره، وعدم تنميته وتدويره، يقول الله تعالى في سورة التوبة الآية”35″:(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)، فالمال بتدويره يؤدي إلى رفع دخل مستوى الفرد والمجتمع ويحقق الرفاهية والرخاء الاقتصادي وانتعاش الاقتصاد الوطني وازدهاره وقوته، وحتى يؤدي المال رسالته كامل في الحياة حرم الإسلام الربا والاحتكار والجشع والغش والتحايل والقمار وتوعد على ذلك، وكذا حرم الاعتداء على أموال الآخرين بأي صورة من الصور، وشرع من العقوبات الرادعة على كل من تسول له نفسه أن يعتدي على ماله غيره.
مبيناً بأنه ومن أجل المحافظة على المال أوجب الإسلام الحجر على السفهاء وهم الذين لا يحسنون التصرف في أموالهم يقول الله تعالى في سورة النساء الآية”5″:(ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا)، وفي الآية الكريمة إشارتان بليغتان هما: الأولى قوله تعالى:(موالكم) ولم يقل أموالهم ليلفت الأنظار إلى أن أموال السفهاء هي أموال الأمة. والإشارة الثانية قوله تعالى:(التي جعل الله لكم فيها) لوجوب المحافظة عليها، وعدم إعطائها للسفيه؛ لأنها تقوم بها مصالح الناس، وتتحقق بها منافعهم.
مشيرا الى ان الإسلام يحذر من إضاعة المال، وهدره فيما لا نفع فيه ولا فائدة، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):”إن الله كره لكم ثلاثًا: القيل والقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال”.
* منهج الإسلام في الإنفاق
يقوم منهج الإسلام في كل شئ على الاعتدال والاقتصاد، ومن هنا فقد أمر الله تعالى بالاعتدال في الإنفاق، وفي الأكل والشرب واللباس، يقول الله تعالى في سورة الإسراء الآية “29″:(ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا)، ويقول تعالى في سورة الأعراف الآية “32″،:(يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين)، ويقول تعالى مادحًا عباد الرحمن في منهجهم الوسطي في الإنفاق في سورة الفرقان الآية”67″:(والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا)، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم):”كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولامخيلة”.
إن الإسلام فكر شمولي جاء ليعالج حياة الإنسان من جميع جوانبه، ومن كل زواياها، ومن كل أبعادها، وهو في كل يتصف بالوسطية حيث يأمر اتباعه بالاعتدال والاقتصاد والتوازن دائمًا وفي كل شئ، فكل مسلم مسؤول حسب طاقته أمام المجتمع، وهذه المسؤولية تنعكس على أخلاقياته وسلوكياته وتصرفاته ومعاملاته الحسنة بكل تأكيد.
يقول الحكماء: الاقتصاد نصف المعيشة، وما عال من اقتصد، أيما افتقر وما احتاج من اعتدل في الإنفاق.
* الإسراف صورة من صور إضاعة المال
لإضاعة المال صور شتى، ويأتي الإسراف والتبذير في مقدمة تلك الصور، وأكثرها شيوعًا وانتشارًا بين الناس، ولا شك أن الإسراف والتبذير تصرفان مموقتان، وصفتان مذموتان، وسلوكان خاطئان، يدلان على الغرور والسفه والطيش والرعونة، ويدلان على خفة العقل، وقصور النظر، وعدم مبالاة واكتراث بالعواقب والنتائج، وهي بلا شك عواقب وخيمة، ونتائج مؤلمة، يكفي أنهما يؤديان إلى الترف الذي يفضي إلى الهلاك والتلف في الدنيا والآخرة. إن إضاعة المال بالإسراف والتبذير يترتب عليه تراكب وتراكم الديون والدين هم بالليل ومذلة بالنهار، ومعنى الإسراف مجاوزة الحد في كل عمل يقوم به الإنسان قولاً أو فعلاً، وإن كان في الإنفاق أشهر وأظهر، وهناك فرق بين الإسراف والتبذير، فقيل الإسراف مجاوزة الحد في المباحات، وهو محرم مذموم، بينما التبذير يكون إنفاق المال في الحرام وإن كان قليلاً، وعليه فالإسراف والتبذير يلتقيان في معنى الإنفاق في غير طاعة، وكفى بهذا جرمًا وإثمًا.
مؤكدا هنا بأن الإسراف والتبذير يكونان من الأغنياء كما يكونان من الفقراء، بل ربما يكون الفقراء أكثر إسرافًا وتبذيرًا من الأغنياء، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ” من أنفق درهمًا في حقه فهو سرف” فالمسرف عدو لنفسه وأهله؛ يذهب ماله، ويسوء حاله، فكم من مال وفير كثير ذهب، وكم من ثروة ضخمة عظيمة تبددت وتلاشت، وأصبحت خبرًا بعد عين.
* أسباب الإسراف والتبذير
وقال الدكتور السرحني: ان لآفة الإسراف والتبذير أسباب عديدة منها الجهل بالإسلام الذي ينهى ويحذر من الإسراف والتبذير، وعدم الاكتراث بعاقبة الإسراف والتبذير، وكذا النشأة في بيئة أسرية اعتادت على الإسراف والبذخ، ومن أسباب الإسراف حب الظهور والمباهة، والتقليد ومحاكاة الغير.
* ظاهرة الإسراف في شهر رمضان
واوضح السرحني: ان ظاهرة الإسراف في شهر رمضان ليست ظاهرة جديدة بل هي ظاهرة قديمة اعتاد عليها المسلمون منذ زمن بعيد فهي عادة واسعة الانتشار في رمضان اذا اعتاد المسلمون في عمومهم على تكديس ألوان الأطعمة وأصناف الأشربة في رمضان مما يزيد من الأعباء الإقتصادية إذ يتضاعف الإنفاق الشهري إلى أكثر من النصف مما كان عليه قبل شهر رمضان وكأن رمضان شهر أكل وشرب أكثر من غيره من الشهور مما يثقل كاهل أرباب الأسر على أن من الفترض أن يقل الإنفاق ويزيد الادخار في شهر رمضان ولكن الذي يحدث في واقع حياة المسلمين في شهر رمضان العكس بسبب جهلهم بحقيقة هذه العبادة، وبما يترتب عليها من فوائد روحية كثيرة، ومنافع بدنية صحية جمة، فالصوم غذاء للروح، وضبط للنفس،وصفاء للذهن، وتقويم للطباع، وعافية للأبدان وصحة للاجسام، ومن نتائج الإسراف في الأكل والشرب علل وأمراض وأسقام، وتخمة وخمول، وديون وهموم.
وقال: ومن المعلوم ان المعده بيت الداء، فالبطن ينبوع الشهوات، ومنبت الأمراض والأسقام والأفات ولذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم):”ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”، ويقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه: “إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف”، ولهذا نرى ان تكدس الأطعمة في شهر مضان يؤكل منها القليل ويلقى الباقي وهو الكثير في براميل القمامة، في حين أن الكثير من الناس في العالم ومنهم المسلمون يموتون من الجوع.