
زهير ماجد
كان صديقنا التركي أورهان يكرر على المسامع عبارة المجد للنفط، ومنذ أن توادعنا ظلت عبارته محشوة في رؤوس من عرفوه .. لقد اختار الجملة المؤثرة في كل اللعبة العربية والدولية، بل إنها القيمة لكل معيار.
من كثرة ما تجاوز هذا النفط كل المعايير، صرنا نترحم على العروبة والإسلام .. فلقد نسينا العالم بتلك التعريفات، يطلق علينا اليوم نفطيون بدلا من عرب، ولربما أيضا بعد تحول العرب والمسلمين إلى إرهابيين ـ في نظر أعدائهم ـ، أصبح النفط سيد التعريف بنا، وسيظل الدلالة علينا إلى أن نفقده .. يعرف الأميركي والإسرائيلي والغربي متى نهاية هذا النفط من بلادنا، بالشهر واليوم والسنة وربما بالساعة، يعرفنا بلدا بلدا، ومجتمعا إثر مجتمع .. أذكر أني كنت في يوغوسلافيا في مطلع السبعينيات من القرن الماضي حين سمعت حوارا بين رجل وامرأة وهما يتحدثان عن رجل تزوج ابنتهما وكانا سعيدين به لأنه من بلاد النفط. ولم يذكروا اسمه بقدر ما تحدثوا عن حاكم من بلاد البترول.
مقابل ذلك وخلال الستينيات من القرن الماضي، لم يكن الغربيون يعرفون من بعض العرب سوى أنهم من بلاد “ناصر” أي عبدالناصر، ما زلت أذكر تلك القصة التي قرأتها عن اثنين من مصر تاها في تشيكوسلوفاكيا وحين أرادا التعريف عن بلدهما بعدما لم يتعرف أحد على بلدهما، خبط أحدهما على صدره وردد عبارة “ناصر” فعرفوا أنهما من مصر.
جميل أن تنتسب إلى قائد كبير مثل عبدالناصر وأن يتعرف العالم عليك من خلاله، لكن أن يكون التعريف عنك بأنك نفطي..!
مؤسف أننا نخسر مع كل طلعة شمس الانتماء لأشرف معنى هو العروبة .. لا نريدها قديمة أو جديدة كما يبشر بعض المتخلفين بها، نريد أن تكون معنية بنا، لأجلنا، وأن يظل الإسلام إسلامنا. ما الذي يبقى لنا إذا خسرنا الاثنين، إذا أصبحنا بلا هوية وبلا تاريخ، أسماء ضائعة في وحشة العالم الذي سيظل ساخرا منا لكنه يبدي غراما لنا بحكم النفط الذي نملك كي يتملك منه حاجته وأكثر، ومن المؤسف أن هذه المادة الحيوية عندنا، لكنه أيضا من يتحكم بها. وخير وصف ما قاله شاعر العروبة سليمان العيسى في رثاء القائد العربي عبدالمنعم رياض: “يا فارس الصحراء يقتلها الظما/ والتبر روّاح بها غدّاء”.
قبل أيام من وقوع الحرب في لبنان عام 1975 كتب محمد جلال كشك في إحدى المجلات البيروتية مقالا عما سيحدث في لبنان كان عبارة عن سيناريو طبق لاحقا بحذافيره، وكان عنوان مقاله “اللهم إني بلغت” .. اليوم أقول العنوان ذاته لأني كنفطي أترحم على أمة لا يحترم العالم عقلها أو إنتاجها أو وجودها على هذا الامتداد الجغرافي المؤثر ولا على عدد شعبها، وإنما على نفطها .. كل الاهتمام الغربي بليبيا مثلا هو كيفية الحصول على النفط، وليمت الشعب الليبي إن مات أو انقرض لا فرق لأن المهم بقاء المادة تلك على خط التجارة العالمية.
كم كانت تلك المادة فاعلة لو أحسنا استعمالها، لو جعلناها قوة تصهل في وجوه العالم .. يمكن للعرب لو أجادوا ذلك أن يتحكموا بالمصير العالمي، لكنهم لا يريدون.