مشهد المنطقة عامة والمشهد العربي خاصة لم يعودا بحاجة إلى مزيد من الشرح والتدليل على أن المنطقة قد حُولت إلى فريسة عن سبق إصرار وتعمد لإرهاب ولد واستولد واستنسخ وغُذي وقُدم له كل ما يحتاجه ليتوحش كالأفاعي فينتشر في كل بقعة يستهدف أناسها.
ولم يكن هذا المشهد يبوح بذلك مثلما يبوح به الآن من وجود بيئات فكرية وأيديولوجية خصبة لتفريخ الإرهاب وتكاثر بؤره على النحو المشاهد بالمنطقة، فيتحول تاليًا إلى سلاح مدمر ومهلك للحرث والنسل بيد أباطرة الاستعمار ومخططي إعادة رسم خريطة المنطقة لصالح الاستعمار الصهيو ـ غربي، وتمكين كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وتنصيبه شرطيًّا عليها، حيث تسير ركاب هذا الاستعمار وجحافل الإرهاب الذي تكرمت عليه به بيئات المنطقة الخصبة نحو تشكيل هوية المنطقة وفرز مكوناتها الدينية والطائفية والعرقية وفق عقل المستعمر الصهيو ـ غربي الذي يرتب المشهد حاليًّا بما يتلاءم مع توجهاته ومشاريعه الاستعمارية الهادفة إلى السيطرة والهيمنة على الثروات ومقدرات الشعوب والسيادة والقرار، وبقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي القوة التي لا تقهر والضاربة في المنطقة.
وعلى وقع الدور الذي لعبته تاريخيًّا المعتقدات والأفكار والأيديولوجيات الدينية والطائفية والمذهبية والثقافية وتلعبه حاليًّا في إيقاع المآسي والآلام ونقل الموت المجاني ونشر الأحزان في عموم المنطقة مدفوعة بنشاط غير مسبوق من قبل مأجورين ومتعهدين ووكلاء لرعاية بيئات تلك المعتقدات والأيديولوجيات، أصبح المشهد العام مألوفًا والمليء بصنوف الإرهاب والتكفير والتطرف والغلو، وبألوان الدمار والقتل والخراب، وبصنوف الأحزان والمعاناة والعذابات، بل إنه الصهيو ـ غربي راح يسوِّق هذا المشهد في جميع وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي على أنه الإسلام الذي أرسل به محمد صلى الله عليه وسلم وجاء به للناس كافة.
بالأمس كان الألم يعتصر كل عربي غيور على عروبته، وكل مسلم غيور على إسلامه من مشاهد الجريمة النكراء التي ارتكبها المنتج الجديد للأيديولوجيا والفكر السامين بالمنطقة، وتزنر به سلاحًا الصهيو ـ غربي ليضرب به سوقًا شعبية في بني سعد بمحافظة ديالى العراقية، ناقلًا الموت المجاني لأكثر من مئة وخمسة عشر عراقيًّا، والآلام لحوالي مئة وسبعين آخرين، مسدلًا أجواء الحزن على عموم المحافظة، وأمس الأثنين نقل المنتج ذاته المسمى “داعش” الموت المجاني إلى حوالي ثلاثين تركيًّا والآلام لمئة جريح في مدينة سوروتش التركية قرب الحدود السورية. وفيما يستمر هذا المنتج الجديد في استهداف الآمنين في سوريا وليبيا والجزائر واليمن ولبنان وتونس والكويت وهلم جرا، يلقى القبض على مئات من أتباع هذا المنتج. ولكن بالرغم من كل ذلك، فإن المراهنين على هذا الإرهاب بكل تشكيلاته في إسقاط سوريا وإلحاقها بالعراق وليبيا، يبدو أنهم لم يستوعبوا الدروس العملية وعِبَر التاريخ: أن من يرب الأفاعي لن يكون في مأمن يومًا ما من لدغاتها، وأن من حكم العدالة الإلهية من يكِد لغيره شرًّا وتآمرًا لا بد له يومًا ذائق مما صنعته يده. فاللعب بنيران الإرهاب خطير ومؤلم وحارق، لأن جماعات الإرهاب مثل الأفاعي والعقارب لا أمان لها حين تتوحش، ولذلك لا سبيل لتدارك غدر هذا الإرهاب وعصاباته المؤدلجة إلا بالتخلي عن دعمها وتبينها، ومحاربتها واجتثاث منابع أيديولوجيتها وفكرها وعلينا أن ندرك أن الحصاد دائما من جنس الغرس.