لم يكن عته التفكير وعمى الرؤية الذي أصاب سوادًا كبيرًا من الناس بأن “النظام” السوري هو الذي السبب الأول والأوحد في هجرة آلاف الأسر السورية، سوى جزء من حملة التضليل التي قام بها ولا يزال معسكر التآمر والعدوان على سوريا، ونتيجة لها جراء ما أجرته من أنهار الكذب والتدليس والفبركة عبر أذرع إعلامية تابعة لمعسكر التآمر والعدوان التي تواصل تزييف الحقائق وتغييب الفكر والوعي، وغسل الأدمغة، واصطياد عوام الناس وشواذ الفكر عبر شراك الفبركة، وما يتفوه به المأجورون عبر منابر إعلامية مشبوهة ومأجورة.
ومن يتابع المواقف والتصريحات الأوروبية المتباينة جراء هجرة عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين اكتظت بهم القارة العجوز، يكتشف أن تهجير المواطنين السوريين تحديدًا هو جزء أساس من تركيبة المؤامرة المراد إنجاحها في سوريا، وذلك بإفراغها من شبابها وحرمانها من طاقاتهم، سواء في الخدمة العسكرية والانخراط مع الجيش العربي السوري والدفاع عن حياض وطنهم، أو من الخبرات والمعارف التي يتمتع بها الشاب أو المواطن السوري عمومًا في الزراعة والتجارة والصناعة والحرف، ليكتشف الحقيقة بصورة أكبر بالعودة إلى البدايات بتدمير المصانع السورية وتفكيكها من آلاتها وبيعها خردة في دول الجوار، وبخاصة في السوق السوداء التركية، وضرب المنشآت النفطية وتفكيك آلات الإنتاج وبيعها أيضًا خردة في السوق التركية، وليكتشف كذلك التركيز اللافت على تدمير منصات الرادارات والدفاعات الجوية والمطارات العسكرية والمدنية، واستهداف قوات الجيش والأمن، وتواصل حملة التشويه والتحريض الممنهجة ضدها. ذلك أن إفراغ سوريا من سكانها يسعى معشر المتآمرين من خلاله إلى تلويث الفكر بأن ما ساقوه من أكاذيب وعملوه من فبركات هي صحيحة وصادقة بأن “النظام” والرئيس بشار الأسد سبب في هجرة هؤلاء المواطنين، وأنه فاقد للشرعية ـ كما يدعون ـ ولو كان عكس ذلك لظلوا في وطنهم. أما من الجانب الآخر فالهدف هو أن يتخذوا من دعمهم للإرهاب وشحذ سواطيره وتعظيم كرات لهبه وتعميمها في الجغرافيا السورية ما ينجح في إحداث نزوح جماعي للمواطنين السوريين إلى خارج سوريا، ذريعة لإقامة ما أراده الطرف الأصيل في المؤامرة ـ ونعني به كيان الاحتلال الصهيوني وعملاءه ـ من “مناطق آمنة وعازلة”، أي أن المخطط هو تقسيم سوريا وتفتيتها، وما الأكاذيب والترهات بشأن “مساعدة الشعب السوري حتى تحقيق تطلعاته” إلا مبررات وذرائع تستر المخطط الجهنمي المحاك ضد سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، والمستفيد الأوحد من نجاحه هو كيان الاحتلال الإسرائيلي.
إن هذه الحقائق الساطعة كالشمس لا يمكن حجبها بغربال، ولو كان الواقع وحقائقه عكس ذلك وموافقًا جملةً وتفصيلًا لادعاءات معشر المتآمرين وأكاذيبهم، لما سعوا إلى محاولة تكوين حملة شعواء ضد روسيا التي انتبهت إلى أن توسيع المتآمرين رقعة إرهابهم في الأرض السورية ودعمه وتكالبهم بذريعة محاربة “داعش”، لتهجير المزيد من السوريين ينطوي على ما هو أبعد وأخطر من محاربة تنظيم إرهابي أنتجوه ودعموه مع أخواته من التنظيمات الإرهابية الخارجة من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي، فسارعت موسكو إلى تزويد دمشق ما تحتاجه من معدات عسكرية لمحاربة الإرهاب وفي إطار القانون الدولي ووفق الاتفاقيات الموقعة بينهما. فالانزعاج الغربي غير المبرر والمشبوه من دعم روسيا الاتحادية لسوريا في مواجهة الإرهاب، وحده كافٍ للوصول إلى الحقيقة دون التوقف عند الهدف من التعمد في تهجير السوريين الذين بدأت القارة العجوز في استقبالهم والاستفادة من طاقاتهم وإمكاناتهم لما يمثلونه من أيدٍ عاملة رخيصة، فضلًا عن الحقيقة الأخرى وهي إذا كان السوريون قد نزحوا من وطنهم نتيجة ما يدعيه المتآمرون وهو “عنف النظام”، فما سبب النزوح الكبير من شمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان؟ هل عنف الأنظمة في تلك الدول أم الإرهاب الذي أنتجه الغرب وعملاؤه ويدعمونه هناك وهنا في المنطقة وفي مقدمتها سوريا والعراق؟