أ.د. محمد الدعمي
يهرع المسافر القادم من إحدى الدول العربية أو الإسلامية “بالتاكسي” إلى أحد فروع سلسلة مطاعم “ماكدونالدز” أو “كينتاكي” أو “كينج برجر” حال خروجه من مطار “جون كيندي” أو “رونالد ريجان” بتشوق “لتذوق” طعم الولايات المتحدة الأميركية الذي طالما ظهر عبر أفلام “هوليوود”. بالنسبة لحسن أو عماد، شاكر أو عدنان، تختزل أميركا بنفسها بهذا النوع من سلاسل المطاعم العملاقة التي تقدم لزبائنها الهامبرجر وسواه من أنواع “الوجبات السريعة” والساندويشات المشبعة بأنواع المواد الكيماوية الحافظة، زيادة على إضافة أنواع “الصوص” و”الكاتشاب” التي يضيفها “الزائر” أثناء تناول وجبة الطعام السريع من هذا النوع، ناهيك من المشروبات السكرية من نوع كوكا كولا والبيبسي كولا. إذًا، هذه هي أميركا!
وإذا كانت أميركا قد ترادفت مع هذا النوع من المطاعم والأغذية بسبب الأفلام السينمائية والدعايات والمسلسلات التلفزيونية التي تضخها فضائياتنا على المواطن العربي أو المسلم، بلا هوادة ولا رحمة، فقد تحولت هذه المطاعم وما تقدمه من وجبات إلى رموز للرأسمالية الأميركية، درجة أن افتتاح مطعم من هذا النوع في موسكو أو في بكين، على عصر الاشتراكية، قد عد نصرًا للرأسمالية الأميركية وفتحًا مبينًا لها في عقر دار الشيوعية وتحت أنوف تماثيل الراحلين كارل ماركس وأنجلز وفلاديمير أليتش لينين، دون أن يشعروا بالغزو الرأسمالي قط! وقد كرس عدد من المسؤولين الأميركان الدلالة الرمزية لهذا النوع من المطاعم ومن الوجبات المرفقة دائمًا بالكثير مما يسمى بـ”الفرينش فرايز”، بديلًا عن رز الشامية والمشخاب عندنا، إذ إن الرئيس أوباما، على سبيل المثال، اعتاد أن يصطحب زواره الشيوعيين معه إلى أحد فروع هذه المطاعم كي يتناولا “الهامبرجر” مع أصابع البطاطا المقلية المذهبة بالزيوت: فهذه هي أميركا، وهذا هو أحد وجوه تفوقها على روسيا، أو على الصين وألمانيا!
إزاء هذه الخلفية المبهرجة والمثيرة للملاحظة، تجري الآن في أميركا ثورة حقيقية ضد هذا النوع من المطاعم وضد ما تقدمه من وجبات وأغذية مصنعة محشوة بالمواد الكيماوية حتى قبل أن تذبح المواشي التي من مجموع لحمها وعظمها، جلدها وذيلها تتم عملية استخراج “المادة اللحمية” الأساس بعد فرمها من مكونات البقرة، إذ هي تملأ الساندويش الذي تتناوله في أحد هذه المطاعم، بعد كبسها على النحو الذي يوافق موضعها في الساندويش، من الخبز المدور الشكل. يأكل المرء ثم يخرج من المطعم، شاكرًا نعمة ربه الوفيرة، دون أن يفكر في المخاطر الكامنة في كل مادة من هذا النوع من الأغذية.
إن ما يجري اليوم في الولايات المتحدة الأميركية هو “ثورة”، بالمعنى الحرفي لهذه اللفظة، إذ راحت المؤسسات الرقابية والطبية والمختبرية والوكالات الإعلامية تكشف كل يوم عن نوع من أنواع المواد المسرطنة المخفية في هذه الوجبات السريعة أو مع الدهون التي تطبخ بها. الآن راح الأميركان يهجرون الوجبات السريعة، عائدين إلى المزارع المنزلية وباحثين والمواد الغذائية العضوية التي تنضج بلا حقن ولا أسمدة، بعد أن بقوا لأكثر من قرن يفاخرون الأمم الأخرى بالأغذية والمشروبات المصنعة، باعتبارها من فضائل المكننة والإنتاج الواسع، المفحوص طبيًّا والمصنع دون أن تلمسه يد من لحظة هرس الدجاجة أو البقرة بمكائن عملاقة، مع جلودها وأرجلها وكل ما يمكن أن يكون غذاءً بدواخلها، حتى لحظة تقديمها على مائدتك من قبل نادلة شقراء أو سمراء جميلة، تبتسم لك بلا تحفظ، فتقول: “أية خدمة أخرى؟”