زهير ماجد
خلف ذاكرة الحروب المعقدة يقف رجال صناديد يموتون لكن يظلون أحياء دون الإشارة إليهم .. أبطال الميدان يخوضون غمار المعارك، يستبسلون، يضعون رؤوسهم فوق أكفهم .. ليس من يقدمهم إلى الإعلام بعد انتصاراتهم، أو بعد استشهادهم. هكذا تمر قصص فيها من البطولة ما يعجز اللسان عن ذكره ..
أمس هجم المواطن اللبناني عادل ترمس على الانتحاري بعدما تأكد من المتفجرات حول خصره، ثم احتضنه مانعا إياه من الوصول إلى وسط الناس، فما كان من هذا التكفيري إلا أن فجر نفسه فتحول عادل إلى أشلاء لكنه حمى مئات من موت مؤكد. هذا البطل هو واحد من أبطال يعيشون هاجس شعب وأمة، يخافون على الآخر قبل خوفهم على أنفسهم، يفكرون بالناس قبل أن يتذكروا أنهم معرضون للخطر في لحظتها. مثل هؤلاء جيش بكامله، ومقاومة بكاملها، وأمة يمكن لها أن تفزر ملايين تشبههم.
عاد التكفيريون للتفجير في الساحة اللبنانية بعد هزائمهم التي لا تحصى في الميدان السوري، أرادوا الانتقام من شعب المقاومة في لبنان، لم يجدوا سواه ميدانا لعمليات خسيسة ليس فيها معركة بقدر ما هي خربشات في حياة أمة لا تزال لها اليد الطولى في خوض معاركها الناجحة، وفي تحقيق انتصارات بالجملة. من جملة ظنونهم أن العملية ستؤدي إلى تراجع حزب الله عن المشاركة في معارك المصير السورية، وكيف لا وقد أدت تلك المشاركة مع الجيش العربي السوري إلى إنجازات ضخمة من تحرير كويرس إلى الحاضر إلى العيس حيث تصبح حلب تحت مرمى العين بعد قليل من الحين.
كان متوقعا أن يفعلها الإرهاب في ضاحية بيروت الجنوبية، في عمق شعب ملتف وهو أيضا خزان حزب طليعي جوهره مقاومة من أجل الأمة وإن كان لبنان وسوريا علامة من علاماته أو إحدى بدايات الرصاص. معركة طويلة يعرفها البواسل من المقاومين ومن الجيش العربي السوري، كما يعرفها شرفاء الأمة وهم يقدمون الشهيد تلو الآخر على مذبح معاركهم الكبرى.
ليس من يذكر الأبطال إذن، فبالاعتقاد أنهم الجيش العربي السوري كله، والمقاومة كلها .. في سخونة المعارك لن يخرج أحد لكتابة لحظاتها، غدا عندما يأوي المشاركون إلى الراحة، ستكون لهم حكايات لن تصدق، سيكتبون عالمهم الذي خاضوه، وسيتحدثون عن كل رصاصة كتبت لهم تقدما في الميدان أو عمرا مضافا، وسيقولون ما نجهله من أفكار يعيشه المقاتل ساعة المعركة.
أذكر أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين خصص جوائز ثمينة للمقاتلين الذين كتبوا قصصا عن معاركهم ضد إيران .. وإن كانت تلك الحرب عبثية، إلا أن كثيرين ممن خاضوها سجلوا لحظاتها الثمينة وكتبوا ما يجب أن لا ينسى من مشاهد الميدان التي لا يعيشها سوى الكاتب المقاتل.
أبطال كثيرون عاشوا الحروب لكن المطلوب توثيقها كما كانت وكما جرت، يجب أن لا تمر عبثا، فهي قيمة تسجيلية في حياة أمة .. لقد سجل السوفييت بعضا من بطولات جيشهم إبان الحرب العالمية الثانية، ويسجل الأميركي أيضا، وكذلك الفرنسي والبريطاني وغيرهم .. ساعات ودقائق يجب أن تعرف لنرى ما فيها من تفاصيل صعبة ومعقدة من المستحيل أن يعيشها إلا من كتبها أو ساهم فيها بيديه وعقله وقلبه الجبار.