القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بالإجماع أمس بتعزيز العقوبات ضد تنظيم “داعش” وتجفيف مصادر تمويله، هو خطوة جيدة في اتجاه محاربة الإرهاب، لكنه قرار يبقى محل تشكيك في تطبيقه بالنظر إلى التجارب السابقة، فهذا القرار هو تحديث لقرار سابق بإدراج تنظيم القاعدة على لائحة العقوبات، بتسميته “لائحة العقوبات على تنظيم “داعش” والقاعدة”، والقرار السابق لم تلتزم به أطراف متدخلة في الشأن الداخلي السوري والعراقي، وداعمة للتنظيم وغيره، بل إن عملية التمويل والدعم راجت بصورة وأشكال مختلفة. كما يبقى القرار ناقصًا من حيث إن اقتصار تجفيف مصادر الدعم على تنظيم “داعش” ويستثني التنظيمات الإرهابية الأخرى التي تعيث فسادًا وقتلًا وتدميرًا في سوريا. وفي ظل هذا الدعم والتمويل للإرهاب تحت شعارات ومسميات كاذبة رافقت تفجير مؤامرة “الربيع العربي” أخذت أثمان الخسائر البشرية والمادية تتضاعف إلى أرقام عالية جدًّا.
فالأرقام المرعبة التي كشف عنها المنتدى الاستراتيجي العربي في تقرير له نشره تحت عنوان “تكلفة الربيع العربي”، تضفي مزيدًا من الأدلة والبراهين على حقيقة هذه المؤامرة التي حيكت بليل في مطابخ الاستخبارات الأميركية والصهيونية والغربية، كما أنها مثلما تكشف مدى السذاجة لدى أولئك الذين طبلوا وهللوا لها، ولا يزالون يفعلون ويدافعون، تكشف نجاح تلك الاستخبارات في تجنيد عملاء وخونة الأوطان ليمارسوا الأدوار المطلوبة منهم، وتدريبهم على أساليب الاندساس وسط المجتمعات وأفرادها والاصطياد في الماء العكر، وتحريضهم والدفع بهم لارتكاب حماقات وجرائم ضد أوطانهم، وتصويرها على أنها هبَّة شعبية ستجلب الديمقراطية والرخاء وتبني دولة القانون والمؤسسات، دون أدنى انتباه أو مراجعة للنفس أن دولة الرخاء والديمقراطية والقانون والمؤسسات لا تقام على جثث الأبرياء، ولا على أنقاض البنية التحتية ومؤسساتها ولا على أطلال رموز السيادة والأمن القومي.
واستنادًا إلى تقارير منظمات دولية، أبان تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي أن حجم الضرر في البنية التحتية جراء حروب وفوضى وإرهاب ما يسمى “الربيع العربي” والذي يشمل خسائر إعادة البناء والناتج المحلي والسياحة، وأسواق الأسهم والاستثمارات, بالإضافة إلى إيواء اللاجئين بلغ نحو 833.7 مليار دولار. وفي تفصيل ذلك الرقم ـ وحسب التقرير ـ بلغت الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي 289 مليار دولار، فيما بلغت خسائر أسواق الأسهم والاستثمارات أكثر من 35 مليار دولار، حيث خسرت الأسواق المالية 18.3 مليار دولار وتقلص الاستثمار الأجنبي المباشر بمعدل 16.7 مليار دولار. ولفت التقرير الانتباه إلى أن تراجع تدفق السياح بحدود 103.4 مليون سائح بين العامين 2010 و2014، وأن ما يسمى “الربيع العربي” تسبب بتشريد أكثر من 14 مليون شخص، أما تكلفة اللاجئين فبلغت 48.7 مليار دولار.
وبالنظر إلى إجمالي تلك الخسائر المادية والبشرية، يتبين مدى الخديعة التي أعدت للشعوب العربية لتمزيقها وسلب إرادتها واستعبادها ونهب ثرواتها ومقدراتها وتدمير دولها لصالح أعدائها، وجرها إلى شراك الخديعة وأوحال الفتن الطائفية والمذهبية، بطعوم مصطلحات “الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان، والدولة المدنية، والعدالة الاجتماعية والمساواة”، فركبت أمواج الفوضى الأميركية “الخلاقة” ونزلت إلى الساحات والميادين والشوارع، هاتفة بشعارات لم تدرِ ما دس فيها من سموم، وأخفي وراء أستارها من مخططات ومشاريع جهنمية.
إن تلك الأرقام عند قلبها في صورتها الإيجابية، بمعنى أن مئات المليارات من الدولارات السالفة الذكرة التي أنفقت لتمويل الإرهاب والفوضى والتدمير وتجنيد التكفيريين والإرهابيين والمرتزقة لتدمير الدول العربية المستهدفة تم إنفاقها على التنمية المستدامة والشاملة، بما فيها التنمية البشرية، كيف سيكون حال شعوبها ووضع التنمية فيها، الاقتصادية والاجتماعية، وكم من فرص العمل التي ستوجدها للشباب والكفاءات والمخرجات التعليمية؟ ما من شك أنها ستقضي على مظاهر “البطالة” والفقر والجوع والجهل، وستؤسس لبنية اقتصادية واجتماعية قوية وفي جميع المجالات، بل إنها فوق ذلك ستجلب استثمارات ورؤوس أموال خارجية إضافية. ولذلك السؤال المنطقي والعقلاني هنا: هل هذا ما يريده معدو مؤامرة “الربيع العربي” لدول المنطقة وتحديدًا للدول العربية المستهدفة؟ لو كانوا كذلك، لما أتوا بأساطيلهم، ورعوا الإرهاب ودعموه وأنتجوا جماعاته، وبثوا الفرقة ونثروا بذور الفتن الطائفية والمذهبية، وعطلوا كل الجهود والمبادرات السلمية للحل. والمؤسف أنه رغم كل هذه الانكشافات والحقائق تستمر مؤامرة “الربيع العربي” بالأصالة والوكالة، ويستمر معها النزيف البشري والمادي وتتضاعف الخسائر.