خميس التوبي
في المشهد السوري تؤكد حالة الصدام السياسي والميداني المتكرر بصورة مستمرة بين جميع الأطراف أن المؤامرة الصهيو ـ أميركية على الدولة السورية لم تُبِحْ بعد بكل فصولها، ولم تسفر عن جميع وجوهها، بل تزداد تعقيدًا كلما لاحت انفراجة ما أو تقدم ما في الميدان أو في السياسة لصالح سوريا، وتمضي المؤامرة وفق ما رسم لها العقل الصهيو ـ أميركي.
فتبادل الأدوار في التعطيل وخلط الأوراق والتشويش، والتلون في المواقف بين التقدم والتراجع، وبين التعقل والتطرف، من قبل القوى المكوِّنة لحلف التآمر والعدوان بقيادة الصهيو ـ أميركي، هو جزء أصيل وأساسي في مخطط المؤامرة.
فائض النفاق هذا هو الخيط الرفيع الذي تمشي عليه قوى حلف التآمر والعدوان، فحين يبدي الأميركي تراجعًا كلاميًّا في مواقفه المتشددة كان قد أوعز إلى ذيل من ذيوله (تارة العربي، وأخرى الفرنسي، ومرة البريطاني ومرات الصهيوني والتركي) ليتدخل لإحداث عملية التشويش والخلط والإفشال ولدعم تنظيمات الإرهاب.
على أن الأهم في مخطط المؤامرة هو الإرهاب وتنظيماته الذي بني به المخطط، ومن يتابع تفاصيل المشهد السوري وخصوصًا بعد التدخل العسكري الروسي يجد احتدام الصراع بين حلفين؛ حلف التآمر والعدوان بقيادة الولايات المتحدة يدعم الإرهاب وتنظيماته بكل ما أوتي من قوة وبما فيها تنظيم “داعش”؛ لكونهما (الإرهاب وتنظيماته) الذراع والجيش على الأرض لحلف التآمر والعدوان.
وحلف محوره سوريا وروسيا الاتحادية والجمهورية الإٍسلامية الإيرانية وقوى المقاومة يحارب الإرهاب وتنظيماته.
وفي ظل تبادل الأدوار، جاء إسقاط تركيا لطائرة “سوخوي 24″ الروسية فوق الأراضي السورية، وبإيعاز أميركي في أعقاب مؤتمر فيينا الثاني ومقرراته بتصنيف التنظيمات الإرهابية “معتدلة ومتطرفة” وعدم استبعاد الرئيس السوري بشار الأسد من المرحلة الانتقالية، والهدف من ذلك هو محاولة استدراج روسيا إلى فخ الناتو وتدخله في سوريا بحجة مناصرة تركيا عضو الحلف وتحقيق حلم أردوغان بإقامة منطقة “عازلة أو آمنة”، وبالتالي تكون بداية لإفشال الاستراتيجية الروسية في سوريا، غير أن الذكاء الروسي طوَّع الحادثة لصالحه، بإدخال ما كان محظورًا وخطًّا أحمر صهيونيًّا وأميركيًّا، من أسلحة رادعة وكاسرة للتفوق الجوي للتحالف الستيني الأميركي، وخلع أجنحة سلاح الجو التركي ونتف ريشه، مع ما جرته حماقة حكومة حزب العدالة والتنمية من تداعيات اقتصادية على الشعب التركي.
حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوجان أن يعوض انكساره في سوريا وضياع أحلامه باستعادة أطماع أجداده، باحتلال أراضٍ عراقية، ليُقابَل تصرفه هذا بموجة غضب عراقية، وتحرك رسمي وشعبي واعتباره احتلالًا يجب مقاومته.
وفي الإطار نفسه، أي تبادل الأدوار، تقدم كيان الاحتلال الصهيوني نحو خط المواجهة هذه المرة باغتيال المناضل للاحتلال الصهيوني سمير القنطار في غارة إرهابية جوية على مبنى بمنطقة جرمانا بريف دمشق.
وتأتي عملية الاغتيال في السياق ذاته الهادف إلى خلط الأوراق والتشويش وإفشال الاستراتيجية الروسية ودعم الإرهاب وتنظيماته ورفع معنوياتها، لكنه أيضًا في التوقيت يجيء ترجمةً وردًّا واختبارًا على/لـ ثلاثة تطورات:
الأول: اتفاق كل من تركيا ـ أردوجان وكيان الاحتلال الصهيوني ـ نتنياهو على تطوير تحالفهما الخفي، ونشر “دفئه” في ربوع المنطقة، بعد المسرحية الهزلية بإعلانهما ما أسمياه تفاهمات لإنهاء الأزمة الدبلوماسية بينهما في أعقاب مهاجمة البحرية الصهيونية لأسطول الحرية، في العام 2010، وإعادة تطبيع العلاقات بينهما.
ويبدو أن من ملامح هذا الاتفاق أن يتولى كيان الاحتلال الصهيوني بالنيابة تحقيق ما تعجز عنه حكومة العدالة والتنمية في سوريا، بالمقابل تقوم حكومة العدالة والتنمية على خدمة كيان الاحتلال الصهيوني في الملفات الأخرى في المنطقة، وبالأخص ملف حركة حماس وجناحها المسلح (كتائب عز الدين القسام)، بدءًا بالاعتراف بكيان الاحتلال الصهيوني، وانتهاءً بقبول ما يعمل عليه العرَّاب التركي والعرَّاب توني بلير على قبول حماس إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة وفق ما يعرف باتفاق “حماس ـ بلير”. وكذلك ملف العراق وخاصة شماله، حيث العلاقة التاريخية بين الصهاينة والأكراد، ووعد الصهاينة للأكراد بإقامة دولة كردية في شمال العراق؛ بمعنى تعاون التركي والصهيوني على تنفيذ مخطط تقسيم العراق، فكلاهما له مطامعه.
إلى جانب غيرها من الملفات من منطلق النظرة الرائجة والمغلوطة بأن تركيا السنية “مقبولة” من قبل جميع الدول العربية.
الثاني: تصويت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار 2254 الداعي إلى وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات بين الحكومة السورية و”المعارضة المسلحة” اعتبارًا من مطلع يناير القادم.
فوقف إطلاق النار ـ من وجهة النظر الصهيونية ـ لا يخدم مخطط استهداف سوريا بالاستنزاف والتدمير، إذ من شأن ذلك أن يوفر الوقت والجهد للجيش العربي السوري.
كما أن مجرد جلوس الطرفين الحكومة والإرهابيين المدعومين من قبل حلف التآمر والعدوان والموصوفين بـ”المعارضة”، وبقاء الرئيس بشار على رأس السلطة في هذه المرحلة، يعني انتصارًا للدولة السورية وحلفائها، وهزيمةً للأعداء الذين لا يزالون ينعقون بأن لا تفاوض في ظل وجود الرئيس الأسد.
الثالث: تأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن القوات الروسية لا تستخدم بعمليتها ضد الإرهاب في سوريا جميع قدراتها العسكرية، وأن ثمة وسائل إضافية قد تستعملها موسكو في حال دعت الضرورة، ونقل موقع روسيا اليوم عن بوتين قوله في كلمة ألقاها أثناء حفل أقيم في الكرملين إحياء لعيد رجال أجهزة الأمن إن الطيارين الروس ورجال الاستخبارات يعملون في سوريا بشكل فعال، مشيرًا إلى أنهم نجحوا في تنسيق خطواتهم المشتركة.
ومن الواضح أن الصهاينة أرادوا من اغتيال سمير القنطار إحراج بوتين أمام حلفاء بلاده وتأزيم الأمور وتعقيدها، في إطار مساعي إفشال استراتيجية تدخله في سوريا، والزعم الصهيوني بإمكانية وصول الأسلحة الروسية النوعية إلى حزب الله.
السؤال الأهم الذي يطرح نفسه: في ظل دعم الإرهاب والحرص على تمويل تنظيماته، هل سيقلب إعلان أنقرة وتل أبيب تحالفهما، أحداث المشهد في المنطقة؟ هذا ما ستبينه الأيام القادمة.