الإدارة الذكية للموارد المادية والبشرية وصناعة الكادر النوعي القادر على تحمل مسؤولياته تجاه وطنه وذاته ومجتمعه، هي الأساس الذي تنهض عليه الأمم والشعوب والدول والحضارات، فالمتمعن في مقومات نهوض الأمم ونشوء الحضارات لن يقف عاجزًا عن اكتشاف الحقيقة، ولن تتوه به السبل ولن يحيد عقله وقلبه عن إدراك أسرارها، فحركة تاريخ الأمم والشعوب والحضارات أثبتت أن السواعد التي بعثت إنجازاتها ومكتسباتها وتوسعها هي سواعد الشباب.
إن النجاح في صناعة الكوادر النوعية الشابة يقلب المعادلة السائدة في كثير من البلدان التي قامت سياساتها على إنفاق ثرواتها في غير مجالاتها الحتمية والوطنية، أي باتجاه النفقات الاستهلاكية والخدمات الترفيهية، ومظاهر التبذير والإنفاق الاستهلاكي، والمنافسة في مظاهر البنيان المادي من فنادق ومطاعم ونوادٍ وناطحات سحاب وسيارات فارهة ومسابقات غير منتجة ومهدرة للأموال، وتجاهلت تجاهلًا شبه تام البناء في الإنسان، ما انعكس ذلك على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، فكرَّس ثقافات ووطَّن قيمًا من قبيل ثقافة الاتكالية والاعتماد على الغير، وثقافة الاستهلاك التبذيري والنفعي، ما أسهم في نسف وإعادة ترتيب سلم الأولويات في عملية البناء، وكذلك سلم القيم والثقافة المجتمعية لدى قطاعات واسعة منها ولا سيما شريحة الشباب.
وفي إطار الاتجاه نحو صناعة الإنسان النوعي عبر إعطائه جرعات تنموية متوالية، من حيث الصحة والتعليم والتدريب والتأهيل، وربطه بوطنه وبتراثه وحاضره، وغرس قيم الولاء والانتماء، والمبادئ والقيم والأخلاق والاعتزاز والثقة في النفس، يحرص حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على الاهتمام بالطاقات البشرية العمانية، وتنمية الوعي بأهمية المرحلة الراهنة من عمر نهضتنا المباركة، ودور اليد العاملة الوطنية المؤهلة تأهيلًا جيدًا في إنجاح المسيرة النهضوية في مختلف المجالات.
وتأتي جائزة جلالة السلطان المعظم للشباب عنوانًا كبيرًا إلى جانب العناوين الأخرى التي جاءت بها النهضة المباركة الخاصة بعملية التنمية والبناء في الإنسان العماني والاستثمار فيه، حيث سارعت النهضة المباركة إلى احتضان الشباب إيمانًا منها بأن ما يتمتع به الشباب من صفات وخصائص عقلية وبدنية ونفسية فائقة، يجعلهم قادرين على حمل أمانة البناء والتنمية الشاملة على أعناقهم، وعلى حماية مكتسبات الوطن ومقدراته وعلى الذود عن حياضه.
فكما هو معروف أن عقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة الباهرة على التكيف مع أي طارئ جديد تخبئه مستجدات الحياة المتصفة بالتغير والتسارع المستمرين في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، ومتى ما حصل الشباب على الاهتمام الكامل والرعاية التامة بتوفير التعليم والعلاج ومظاهر الراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي والاستفادة من تجارب الآخرين، انعكس كل ذلك إيجابًا على مستوى وعيهم وثقافتهم وأسلوب تفكيرهم، وانعكس كذلك على طرائق عيشهم وتعاملهم وتعاطيهم مع الواقع وقضاياه، وأماكن عملهم.
إن الإشارات التي تحملها جائزة جلالة السلطان المعظم للشباب التي توج بها نادي السيب لعام 2014 للمرة التاسعة في تاريخه في احتفالية وطنية رائعة أقيمت أمس على مسرح وزارة التربية والتعليم بالوطية، هي إشارات وطنية عميقة شكلًا ومعنى، وتعبِّر عن مدى الاهتمام السامي لجلالته بالشباب والاعتراف بدورهم، وجاءت تكريمًا لهذا الدور وإثراءً له ورافدًا وتشجيعًا، فهم رسل المحبة والسلام والتنمية، وعنوان التحضر والتقدم والرقي، ومثلما كان الاهتمام بهم عند هذه المعاني، يجب أن يكون اهتمامهم بهذه المعاني وتقديرهم لها موضع ثقة، ومفتاحًا للتنمية والاستقرار والرخاء والتكافل والتلاحم والألفة، ووقودًا إضافيًّا لمحركات طاقاتهم.
نبارك للفائز الأول بهذه الجائزة الغالية، والفائزين بالمراكز التالية، مع تمنياتنا بمشاركات أوسع وأكبر تنمو بحجم هذا الوطن الغالي.