يواجه الإسلام والمسلمون الآن حملة شرسة تستهدف تلويث الصورة البراقة لهذا الدين الحنيف وأتباعه المهتدين بهدي رسوله الكريم والمتمسكين بتعاليم الذكر الحكيم، وحملة مسمومة لتغريب الإسلام ليس بين أتباع الديانات الأخرى فحسب، وإنما بين أتباعه أيضًا.
والمؤسف أن من يقود هذه الحملة ليس أعداؤه من الملل والنحل والأخرى وحدهم، بل يشترك معهم من ألصقوا أنفسهم بالإسلام ظلمًا وعدوانًا وهو منهم براء ومن أفعالهم وإجرامهم وسلوكياتهم المنافية لقيمه ومبادئه وتعاليمه وشرائعه وأحكامه.
فبينما يحرِّم الإسلام قتل النفس بغير حق يستوجب ذلك (وقد فصل هذا الحق القرآن الكريم والسنة النبوية)، نجد أن الملتصقين به ظلمًا والمحسوبين عليه زورًا يستحلون دماء من نطق بالشهادتين ومن لم ينطق بهما، وبينما يمنع الإسلام تكفير من نطق بالشهادتين ويؤدي ما تستوجبانه، نصَّبُوا أنفسهم ناطقين باسم الله ووكلاء عنه وعن الإسلام ورسوله (عليه السلام) نجدهم يُكفِّرون كل من يخالفهم أو يختلف معهم في الفهم ويخرجونه من الملة، وبينما يرفع الإسلام راية “الرحمة في القول والفعل، واللين والحكمة في الخطاب، والموعظة الحسنة وحسن الجدال” راح هؤلاء المُشوِّهون يرفعون سواطير الإرهاب والقتل والتدمير والتخوين والتكفير والقذف والسب، وعدُّوا أفعالهم الشنيعة هذه “جهادًا” وقادوا في سبيل نشرها وانتشارها حملاتهم الإغرائية لتلويث الفكر وغسل أدمغة الأطفال والشباب بالمال، وعمَّدوا استباحتهم للدماء والأعراض والأموال والأخلاق بصكوك الفتاوى بالفوز بـ”الحور العين”. وحين ينظر المرء بعقل التجرد ولغة المنطق والموضوعية إلى الفعل والوعد، يجد أن الدونية والحيوانية هي السائدة والموجِّهة والمسيِّرة.
إن حملة التشويه والتغريب للإسلام تستدعي النهوض بواجب المواجهة للأفكار الخبيثة والفتاوى المخالفة لحقيقة الإسلام وأحكامه وشريعته والتي يروجها أعداء هذا الدين والمتربصون به الدوائر، سواء كانوا محسوبين على ملل ونحل أخرى أو محسوبين وملتصقين به ظلمًا، وهذا النهوض يتمثل في واجب إيضاح الصورة الحقيقية للإسلام، والدعوة والتوضيح وشرح المضامين التي يصعب على البعض فهمها، والمضامين الأخرى التي أسيء فهمها بقصد أو بدون قصد في المراحل المتأخرة والمتعثرة من العصر الحديث، وبمناسبة حلول ذكرى المولد النبوي الشريف، يجد المسلمون أنفسهم ملزمين بتجديد الجهود التي أرسى دعائمها السلف الصالح في سبيل نصرة الدين، وأيضًا الأخذ بنصيب من بحث القضايا المستحدثة في ضوء ما هو ثابت من مناهج البحث والدراسات الإسلامية.
وهنا تقع المسؤولية تحديدًا على علماء الإسلام الأجلاء الشرفاء الأسوياء الذين آتاهم الله العلم والحكمة والبصيرة، ووضع فيهم أمانته في تبصير الناس وتنويرهم وحمل لواء الدعوة، وإكمال المهمة التي أداها رسولنا الكريم رسول الرحمة (محمد صلى الله عليه وسلم) وفق النهج الرباني والمحمدي القائم على الرحمة والحكمة والموعظة والمجادلة الحسنة النابعة من روح الإسلام الشامل والصالح لكل زمان ومكان، وخاتم الرسالات الساعي إلى انتشال الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلالة إلى الهدى، ومن التطرف والغلو والتشدد والعنف والإرهاب إلى الرحمة والاعتدال والحكمة واللين واللطف والرفق، ومن الدنيا الفانية وشهواتها وحطامها إلى خير الآخرة حيث النعيم المقيم.
ومن يُمْنِ الطالع أن تتزامن ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، عيسى ابن مريم الذي يؤمن المسلمون بنبوته ورسالته إلى قومه الذين أرسل إليهم، فقد جعل الإسلام الإيمان بعيسى عليه السلام وسائر الأنبياء والرسل ركنًا من أركان الإيمان الستة، في حين أن السواد الأعظم من أتباع سيدنا المسيح عليه السلام ينكرون سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ورسالته، وفي الوقت الذي يدافع فيه المسلمون عن المسيح ورسالته وعن أمه مريم العذراء مثلما يدافعون عن سائر الأنبياء والرسل، يستمر السواد الأعظم من المحسوبين على المسيحية واليهودية في محاربة الإسلام وتشويهه وتشويه صورة أتباعه، إما بصورة مباشرة أو بتجنيد محسوبين على الإسلام والمسلمين للقيام بهذا الدور الذي يراه الجميع في المنطقة وغيرها من بقاع العالم.
وهنا تكمن حقيقة الإسلام والمسلمين وصدق رسالته ونصاعتها وأنها خاتمة الرسالات وبالتالي هي صالحة وشاملة لكل زمان ومكان.
إن هذه الذكرى الخالدة لمولد سيد الأنام التي نعيشها هذه الأيام تمثل فرصة طيبة لمذاكرة الدروس والعبر والأخلاق والقيم والمبادئ والتسامح والعدالة والوسطية، وترميم ما انهدم، وجبر ما انكسر من القيم والأخلاق، والعودة إلى الرشد وسواء السبيل.