مثلما قرأنا في التاريخ العربي عن معارك العرب الكبرى « اليرموك « وحطين « و»عين جالوت « وغيرها، فإن ذلك لم يكن ليتم إلا بعد سلسلة من المقدمات العسكرية الصغيرة، وما يحصل اليوم شبيه بتلك المراحل، وتلك المكاسب التي تعتبر فخرا للعرب والاسلام. اذ اننا ننتظر معركة الموصل الكبرى التي ستكون آخر ماسيواجهه العراقيون كي تتطهر أرض العراق من رجس الارهاب، في حين ننتظر في سوريا معارك حلب والرقة ودير الزور.
إن ما يحصل في سوريا ليس سوى مقدمات لتلك المرحلة المهمة من عمر انهاء الوجود القبيح في الجسد السوري وهو كل مشتقات « داعش « و « النصرة « وبقية التنظيمات الإرهابية. فمن التسليم في المناطق المحيطة بدمشق، « الحجر الأسود والقدم واليرموك»، بإخراج المسلحين من تلك المنطقة، وإغلاق صفحة من أصعب ماعاشه محيط العاصمة السورية، الى المؤثرات الهائلة التي يحملها مقتل الارهابي متزعم ما يسمى» جيش الاسلام « زهران علوش ومن معه من قيادات مهمة في سلك الارهاب، إلى ما يحصل في ريف حلب وريف اللاذقية، إلى الاستعدادات المهمة لمعركة دير الزور الفاصلة، ومن ثم ما سوف تكون عليه ترتيبات المعركة الفصل وهي الأكبر في الرقة، إضافة إلى ما يحدث في جنوب سوريا وفي الجولان وغيره. كل ذلك يؤشر إلى تغيير المسارات العسكرية بشكلها النهائي كي تكون في النهاية مكاسب سياسية.
والحقيقة التي لابد من الاعتراف بها أن الجيش العربي السوري مدعوما بالمشاركة الروسية، سوف يعتبر مكاسبه وانتصاراته الحاصلة الآن سلسلة في الطريق إلى انتزاع النصر الأخير على الارهاب. لذلك لا مجال لتسويات سياسية مع هذا الارهاب مهما استجد على الجبهات العسكرية لأن أجندات المنظمات الارهابية وأهدافها لا تحمل أية مؤشرات لنوايا سلمية وهي لا تؤمن بالحوار ولا بالتداول السلمي للسلطة، لذلك لابد من التعامل معها بذات لغتها لحسم المعركة بالطريقة المتطورة التي يقوم بها الجيش في خطواته ما قبل الأخيرة.
ورغم المصاعب، والحاجة الى ذلك تتطلب وقتا وصبرا، فإن السوريين باتوا مؤمنين بأن ما يقوم بها جيشهم إنما هو لحظات عز ستسجل فخارا في تراث العرب ككل. ولعله أبرز مشروع نضالي تقدمه سوريا ، ومن حق الأمة أن تفتخر بالنتاج القادم الذي سيؤرخ بلا شك مرحلة الاحاطة بما يوصل الى المعارك الكبرى المنتظرة، وما يجري مجرد خطوات إليها، ويدرك المسؤولون أن شتى المعطيات التي يحصلون عليها ايجابية جدا ولسوف توصل الى هذا الهدف الثمين.
ما تحقق حتى الآن يعني ذلك، ففي تاريخ الحروب الداخلية بكل تعقيداتها ما يحتاج الى عمليات تمهيد لما هو أكبر وأعم وأشمل. وفي هذا الصدد، فان الجيش العربي السوري قد صار ما أراده من تطوير في بناه اللوجستية والميدانية. وللعلم فإن ما وصل اليه هذا الجيش يضعه في مقدمة جيوش العالم، بل إن القراءات العسكرية له تنبيء بأن معاركه التي يخوضها إنما باتت مدرسة في علم الحروب الداخلية الصعبة والمعقدة، وهو لم يصل إليه إلا بعد خبرات ميدانية هائلة.
نحن على طريق المرحلة التي توصل الى الهدف الأسمى وهي المعارك التي ستوصف بأنها امتداد لتلك المعارك التاريخية يحققها اليوم الجيش العربي السوري ومثله العراقي.