ضمان أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي واستمرار حمايته، وضمان مصالح الشركات الكبرى العابرة للقارات والمتعددة الجنسية، وضمان مصالح لوبي السلاح ولوبي النفط واللوبي الصهيوني، بهذه المصالح كافة وغيرها أدير ويدار أبرز ملفين في المنطقة تحديدًا، هما ملف أزمة البرنامج النووي الإيراني، وملف إعادة رسم خريطة المنطقة عبر ما سمي “الربيع العربي”. ومن ينظر إلى طبيعة التحرك الغربي بقيادة الولايات المتحدة وطريقة إدارة ملفي الأزمتين لن يحتاج إلى عناء جهد لاستنتاج أن تلك الأهداف هي المحرك والدافع نحو إنجاز الملفين. فلم تضف العربدة الإسرائيلية في شكلها ومضمونها جديدًا إلى الطبيعة العدوانية لكيان الاحتلال الغاصب، لكنها كشفت بكل وضوح أن الجميع (الولايات المتحدة والغرب عامة، والأدوات والوكلاء والتنظيمات الإرهابية) يعمل من أجل تلك الأهداف الآنفة الذكر، وبخاصة ضمان أمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، بل إن العربدة الإسرائيلية لم تكشف مدى الابتزاز الإسرائيلي الممارس فحسب، وإنما تسلط الضوء على الأقل على ما كان مستترًا أو أريد ستره من علاقات حميمية، باستعراضات مفضوحة في عدد من المراحل يبدو أن الظروف استدعتها آنذاك.
ولذلك وأمام الحرص الغربي الأميركي، وحرص قوى ووكلاء وأدوات أفرزها “الربيع العربي” على خدمة علم كيان الاحتلال الإسرائيلي ومشروعه في المنطقة، لم يكن مثيرًا للدهشة إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس أن تطبيع العلاقات بين بلادها وإيران مرهون باعتراف الحكومة الإيرانية بحق كيان الاحتلال الإسرائيلي في الوجود، مؤكدة لبنيامين نتنياهو رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب المشاورات الحكومية الألمانية ـ الإسرائيلية، أمس في برلين: “دائمًا ما سيتم توضيح ذلك للغاية في كل المحادثات التي سيجريها وزراؤنا أو التي ربما أجريها أنا”. كما ليس مستغربًا أن يتزامن هذا الإعلان مع ما صرح به مسؤول تركي كبير لصحفيين أمس رافضًا الكشف عن اسمه أن “تركيا و”إسرائيل” أصبحتا “قريبتين” من التوصل إلى اتفاق حول تطبيع علاقاتهما الدبلوماسية المتأزمة” منذ عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على أسطول الحرية التركي الذي كان متوجهًا إلى غزة في 2010. في حين أفادت وسائل إعلام تركية أن وفدي البلدين باشرا في الأيام الأخيرة جولة جديدة من المفاوضات بعيدة عن الأضواء في جنيف.
اللافت أن هذين التطورين جاءا بعد مضي يومين على تسريب الاستخبارات الإسرائيلية مزاعم عن أن حزب الله نصب منصات رادارات صواريخ مضادة للطيران الحربي الإسرائيلي، ما يعني أن طياري سلاح الحرب الإسرائيلي لن يتمكنوا من التحليق فوق الأجواء اللبنانية، في الوقت الذي تحاول فيه إفرازات ما يسمى “الربيع العربي” من أدوات وتنظيمات إرهابية وقوى وكيلة وتابعة انتهاك السيادة السورية وخرق القانون الدولي، وتشعر بالانكسار والخيبة بعد اهتزاز عصا السوخوي ومنظومة (أس 400) والطرادات القاذفة للصواريخ العابرة، في محاولة لتجميع القوة ورص الصفوف والمواقف للمضي قدمًا فيما بدأوه من تآمر ضد دول المنطقة وخاصة سوريا.
لكن في المقابل يبرز هذان التطوران اللافتان (الألماني والتركي) التخلي العربي عن قضية فلسطين (القضية المركزية للعرب) ومصداقية محور المقاومة والممانعة في الدفاع عن هذه القضية، ودعم الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته الوطنية الشريفة، وأن القضية الفلسطينية بالنسبة لبعض القوى العربية والإقليمية غدت عرضًا من عروض التجارة والسمسرة في سوق النخاسة والتبعية.
إنه أمر يثير الأسف لدى أي إنسان عربي كان يحسن الظن في مواقف القادة الأوروبيين والأميركيين والإقليميين وبعض العرب، ويأخذ تصريحاتهم بالتسوية السلمية لمشكلات المنطقة على محمل الجد، وحديثهم عن دعم شعوب المنطقة ومساندتها حتى تحقيق تطلعاتها.