عشية انطلاق الجولة الجديدة من محادثات مؤتمر جنيف الثالث والمقررة اليوم، كان لافتًا التصعيد من قبل حلف التآمر والعدوان، سواء من قبل الأطراف الأصيلة أو الوكيلة وبيادق ما يسمى “المعارضات”، وهو تصعيد ليس جديدًا، بل بات حالة مَرَضية ملازمة لتلك الأطراف، حيث بدا السعار في أعلى مستوياته. وكما في كل مرة يعكس هذا التصعيد حالة الفشل والانهزام والانكسار وحالة الفقدان لكل شيء، فلم تعد ما تسمى “المعارضات” تملك شيئًا على الأرض سوى إرهاب القاعدة، وتراهن عليه في تغيير معادلات الميدان بعدما تأكد لها أن المجاميع الإرهابية على الأرض هي مجاميع قزمية أمام ما يسمى “داعش والنصرة” ذراعي تنظيم القاعدة، بل إن تلك المجاميع القزمية مارست إرهابها بالاندماج مع “النصرة” تحديدًا تحت مسميات مثل “جيش الفتح” و”الجبهة الجنوبية”، وحاول الرعاة مرارًا وتكرارًا تعويم هذا الإرهاب بعموده الفقري المتمثل في ما يسمى “جبهة النصرة” بحيث يمكِّنهم من الاستيلاء على المناطق السورية المتلوثة بهذا الإرهاب، بما يسمح لهم ممارسة ابتزازهم في جولات مؤتمر جنيف، إلا أن هذا ما لم يحدث، لفشلهم في تمرير هذا المشروع بتعويم إرهاب القاعدة وإضافة الشرعية عليه باسم “المعارضة المعتدلة”.
ولذلك، وفي مقابلة الفشل والانكسار في الميدان معًا، وفي محاولة يائسة للتعويض، لم يجد بيادق ما يسمى “المعارضات” سوى العودة إلى تدوير أسطوانتهم المشروخة حول وضع الرئاسة بتصعيد الحديث عن الرئيس السوري بشار الأسد وأنه عليه أن يرحل في بداية “المرحلة الانتقالية”، وهو ما استلزم ردًّا صارمًا وحازمًا من وليد المعلم وزير الخارجية والمغتربين السوري بأن الرئيس السوري “خط أحمر وهو ملك للشعب السوري”، مشددًا على أن “ليس هناك شيء في وثائق الأمم المتحدة يتحدث عن مرحلة انتقالية في مقام الرئاسة، ولذلك لابد من التوافق على تعريف المرحلة الانتقالية، وفي مفهومنا هي الانتقال من دستور قائم إلى دستور جديد ومن حكومة قائمة إلى حكومة فيها مشاركة مع الطرف الآخر”.
ومثل هذا التصعيد من جانب ما يسمى “المعارضات” كان من الطبيعي أن ينبري أولياؤها ورعاتها للدفاع عنها وإسنادها؛ لكونها لاتزال الواجهة لحلف التآمر والعدوان، فجاء الدعم من جان مارك آيرولت وزير الخارجية الفرنسي بتنديده بتصريح وليد المعلم واصفًا تصريحه بأنه “استفزاز”. ولطالما مارس الفرنسي دور السمسرة والتعطيل، فإن رفضه تصريح الوزير السوري لن يخرج عن السياق ذاته، وهو ما يبدو أنه محاولة يائسة للابتزاز، كما في كل مرة، وتعكس حالة الارتباك التي يعيشها حلف التآمر والعدوان وبأدواته من تنظيمات إرهابية و”معارضات”، بدليل أن وزير الخارجية الفرنسي اعتبر تصريحات المعلم التي وصفها بـ”الاستفزاز” أنها “إشارة سيئة لا تتوافق مع روحية وقف إطلاق النار”. وكما يعلم الجميع أن اتفاق وقف الأعمال العدائية لم يكن مطلبًا سوريًّا ـ روسيًّا، وإنما جاء بعد إلحاح من الأطراف المعادية، وذلك في مسعى لإيقاف الاندفاعة السورية ـ الروسية الحاسمة والتي تمكنت من تطهير مدن وقرى سورية بصورة سريعة ولافتة، ما يعني سحب البساط من تحت أرجل جميع المتآمرين.
غير أن وزير الخارجية الفرنسي وهو يصف تصريحات وليد المعلم بـ”المستفزة” نسي أو تناسى أنه بوصفه هذا أساء لما يزيد على عشرين مليون سوري بتدخله في الشأن الداخلي السوري، والقفز إلى ما ليس من حقه بل لا يحق له أبدًا مجرد التعريج عليه لا بالتصريح ولا بالتلميح؛ لأنه حق للشعب السوري الذي لم ينصب أي مسؤول فرنسي أو غربي أو من المحسوبين عليهم من عرب وغير عرب للتحدث باسمه، ولكن من يدعم الإرهاب ضد الشعب السوري، ويعمل على إضفاء الشرعية عليه باسم “المعارضة المعتدلة” لن يتحرج ولن يتورع عن مزيد من الإساءات، سواء كان فيما يتعلق بوضع الرئاسة والحكومة الشرعية التي انتخبها الشعب السوري عبر انتخابات حرة ونزيهة أو بحقوقه كشعب، أو بمصير دولته.
ما لا تريد أن تفهمه ما تسمى “المعارضات” هو أنها مجرد أداة، وما لا تريد أن تستوعبه أيضًا أن السباحة عكس التيار تعني الانتحار ومن ثم إلى مزابل التاريخ التي ضمت من سبقها من ما يسمى “معارضة”، ولعل العراق أقرب مثال على ذلك.