استخدام التنظيمات الإرهابية لأسلحة كيماوية ضد المدنيين وفي العراق هذه المرة، بقدر ما يؤكد الخطر الكبير والداهم الذي باتت تشكله هذه التنظيمات بقدر ما يعكس الدور الغربي والإقليمي في استثمار هذا الإرهاب ودعمه وتمكينه من إقامة بنية قوية أخذت تتجذر في المنطقة.
وعلى الرغم من تنامي هذا الخطر الذي يمكن أن يتطور إلى استخدام أسلحة أكثر فتكًا، فإن الاستثمار في بورصة الإرهاب أضحى لا يمثل فقط علامة فارقة تجمع المساهمين الغربيين والتابعين لهم في المنطقة والإقليم، ونقطة تلتقي فيها المصالح والأطماع والأدوار الوظيفية، بل يميط اللثام عن الكثير من أوجه الأطراف الأصيلة والوكيلة ويبرز التنافس الحاد في المتاجرة بدماء شعوب المنطقة ومستقبلها.
ولولا هذه المنافسة الشديدة في استثمار الإرهاب والمتاجرة بدماء الأبرياء في المنطقة وبخاصة الدول العربية المستهدفة، لما تحولت بلدة تازة جنوب كركوك إلى ضحية جديدة من ضحايا السلاح الكيماوي بأيدي تنظيم “داعش” الإرهابي المدعوم من قبل أطراف أصيلة ووكيلة وعميلة تآمرت على المنطقة، لتنضم هذه البلدة إلى شقيقاتها من البلدات والأحياء السورية كخان العسل وحي جوبر والغوطة، حيث أصيب مئات من سكان بلدة تازة بحالات اختناق وطفح جلدي.
إن هذا الهجوم بالسلاح الكيماوي الذي قام به “داعش” الإرهابي في العراق لا يؤكد قدرة التنظيمات الإرهابية على تصنيع هذه الأسلحة وعدم التورع أو عدم الخشية من استخدامها ضد المدنيين والقوات الأمنية والعسكرية فحسب، وإنما يفند كذب الرواية التي طالما رددها المغرضون والمتآمرون على سوريا عند استخدام التنظيمات الإرهابية السلاح الكيماوي باتهام الجيش العربي السوري باستخدامها، فالعراق بعد غزوه تبين أنه خالٍ من أي سلاح دمار شامل أو سلاح كيماوي، بينما سوريا سلمت ترسانتها من الأسلحة الكيماوية.
ووفقًا لذلك، فإن شعارات مكافحة الإرهاب لا تزال موضعًا لمزايدات رخيصة، وتمثل واحدًا من أخطر مظاهر النفاق الغربي، في الوقت الذي غدت فيه دول بالمنطقة مرتعًا خصبًا لتفريخ الإرهاب، ما يؤكد أساليب الخداع حيال مكافحته، والانهيار الواضح في منظومة المبادئ الغربية السياسية والأخلاقية والإنسانية.
ولعل ما نشرته وكالات الأنباء عن ما قالت إنها وثائق مسربة عن تنظيم “داعش” تتضمن بيانات شخصية لاثنين وعشرين ألفًا من أفراد التنظيم، وأن هذه البيانات مصدرها استمارات انتساب إلى التنظيم ملأها أشخاص ينحدرون من 55 بلدًا، يسلط الضوء على الجهات التي تدير هذا التنظيم وتتحكم فيه، وتوزيع عناصره وانتشاره، ما يعني كذب محاربة الإرهاب وتحديدًا إرهاب “داعش”، وكذلك الازدواجية في الخطاب والسلوك، ويؤكد في الوقت عينه أن سوق الإرهاب لها رعاتها، ولها مريدوها والباحثون عن ازدهارها، والحريصون على بقائها، كيف لا؟ وقد درت عليهم أموالًا طائلة، ولكن مثلما درت عليهم أموالًا طائلة ستنعكس عليهم كوارث وأوجاعًا مزمنة، فالجزاء من جنس العمل.