طارق أشقر
باستدعاء أزمة الملف النووي الإيراني إلى الأذهان، خصوصا قبل التوصل إلى اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 ، يتبين بأن الإعلام الغربي نجح بجدارة في تحويل تلك الأزمة إلى قضية رأي عام عالمي.
فقد تبنى الإعلام الغربي في مسيرة التجييش والحشد ضد التوجه الإيراني نحو تخصيب اليورانيوم الكثير من المصوغات التي كان أهمها من ضمن المعلن عنه حينها، وقوع المفاعلات الإيرانية في مناطق تعتبر من الناحية الجيولوجية ذات طبيعة زلزالية نشطة شهدت الكثير من الزلازل والكوارث داخل إيران في أوقات متقاربة في تلك الفترة.
وليس هذا فحسب، بل انبرت إسرائيل وبجرأة مكشوفة لتعلن رغبتها الأكيدة في ضرب المفاعلات الإيرانية حينا، وحث الغرب حينا آخر على ضرورة الإسراع في توجيه ضربة استباقية لتلك المفاعلات، وذلك بحجة أن تلك المفاعلات قد تصنع أسلحة يتم بها ضرب إسرائيل وتهديد أمن وسلام المنطقة كافة، حسب ماكانت ترى إسرائيل، مستفيدة في ذلك من العداء السافر لإيران ضدها وضد بقائها في الوجود.
ولكن تناسى الرأي العام العالمي أن المنطقة نفسها التي تقع في جغرافيتها المفاعلات الإيرانية، تحتضن مفاعلا إسرائيلا يعرف بمفاعل ديمونة في صحراء النقب بفلسطين،
وربما يكون هناك أكثر من ديمونة الذي لم يكن للإعلام العالمي حتى وقت قريب دراية به لولا إقبال العالم النووي الإسرائيلي النازح من المغرب مردخاي فعنونو على الكشف عن حقيقة امتلاك إسرائيل لمفاعل نووي في عام 2009 ، وظلت إسرائيل منذ ذلك الوقت تضلل الرأي العام العالمي بالزعم أنه مصنع للنسيج.
وقد خدمت الكثير من الظروف إسرائيل في أن تتمكن من تغييب الرأي العام العالمي عن مفاعلها في صحراء النقب، حيث من أهم تلك العوامل عدم توقيعها على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وعلى معاهدة الأسلحة البيولوجية، فضلا عن قدرتها الدبلوماسية في التأثير على مراكز اتخاذ القرار في الكثير من المنظمات الدولية واللوبيات التي كثيرا ما يمكنها تحريك أو عدم تحريك وكالات عالمية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية التي ينبغي أن تتولى عادة مهام التفتيش والضغط الذي لم تتم ممارسته على إسرائيل حتى الآن.
إن نفس المخاوف والرعب الذي تمكن الإعلام العالمي من بثه في قلوب كافة القاطنين بالجغرافية المحيطة بإيران من أنها جغرافية زلزالية، هي نفسها الأسباب التي أكدت أحدث التقارير على أن مفاعل ديمونة أيضا يقع في جيولوجية زلزالية غير مستقرة وصفتها التقارير بأنها قريبة من ما يسمى جيولوجيا بالوادي المتصدع الكبير، وهو منطقة زلزالية غير مستقرة.
كما أن حياة الإنسان التي أبدى الإعلام الغربي خوفه عليها وارتكن إليها في جهود تحويله الملف النووي الإيراني إلى قضية رأي عام عالمي ، هو نفس الإنسان الذي يعيش الملايين منه بالمنطقة المحيطة بصحراء النقب الحاضنة لمفاعل ديمونة الذي كشفت تقارير إعلامية عن قيامه بإنتاج مادة البلوتينيوم المعروف باستخدامه في تصنيع القنابل النوويية الفتاكة بحياة البشر .
وبهذا تظل الشفافية في التعاطي الإعلامي مع هكذا قضايا تتعلق بحياة البشرية وصون البيئة التي يعيش فيها الإنسان والحيوان معاً ، والتي هي حق للمعاصرين منهم ولأجيال الغد ، تظل مطلبا أخلاقيا هاما ، إذ ينبغي أن يدفع بالإعلام الغربي والعربي معا نحو تنوير الرأي العام العالمي بأن المنطقة مازالت في حاجة إلى تسوية أخرى محورها مفاعل ديمونة الإسرائيلي ، فضلا عن ضرورة أن يسعى الجميع إلى شرق أوسط خالي من السلاح النووي أو (البيولوجي ) ذلك التصنيف الذي ملأ به الإعلام الغربي العالم ضجيجا إبان أزمة الملف البيولوجي والكيميائي العراقي الذي اتضح أنه (فشوش) في النهاية أو كذبة كبرى .