فيما أبهر طلبة جامعة السلطان قابوس الحضور بعرضهم “الجحدول”
مسقط ـ “الوطن” :
يسدل الستار اليوم على فعاليات مهرجان المسرح الجامعي الرابع لجامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وذلك بالقاعة الكبرى في مركز الجامعة الثقافي، حيث تقام الفعالية تحت رعاية سعادة الدكتور علي بن سعود البيماني رئيس جامعة السلطان قابوس وسيتم خلال الحفل الختامي الإعلان عن المسرحيات الفائزة وتكريم الفائزين والفرق المشاركة.
وكان قد قدمت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن صباح أمس عرضها المسرحي “فكرة” بقاعة المؤتمرات في جامعة السلطان قابوس وهو من تأليف بدر الحمداني وإخراج راشد الورثان. وتدور أحداث المسرحية حول قرية مُنع فيها التفكير حتى صار أهلها لا يفكرون إلا في أكل الشعير، وتهاجم هذه القرية غربان زرق فتنهش جلودهم وتأكل منهم ولا يحمل أهل القرية أي أفكار لمواجهة خطر الغربان، إذ يُسمح لرجل واحد فقط بأن يفكر ولكن أفكاره لم تنجح في قمع خطر الغربان. ويبدأ أهل القرية في محاولة التفكير بعدما يئس بعضهم من مفكر القرية، ولكن عقوبة القصاص هي مصيرهم لتجاوز قانون القرية في تحريم التفكير.
بدأت المسرحية بمشهدٍ لحارسي القرية السعيدة وهما يراقبان الغربان التي قد تنقض على أهل القرية في أي وقت، وبعد اعتقادهم بزوال الخطر وذلك بظهور القمر يخرج أهل القرية من جحورهم فتهجم عليهم الغربان كعادتها مسببة لهم الأذى الكبير. ويليه مشهد لوصول أحد المسافرين إلى القرية السعيدة باحثًا عن السعادة، فيصادف حارسي القرية اللذين يقومان بتفتيشه بحثا عن أي ممنوعات بحوزته، إذ يبحثون عن أي أفكار يحملها معه، فلا يجدون معه شيئا مريبا ويسمحون له بدخول القرية.
وفي مشهد جديد ينادي حارس القرية على القرويين ليخبرهم بقوانين القرية السعيدة، إذ ينص القانون الأول على ألا يغادر القروي المخلص حدود القرية مهما كانت الأسباب، أما القانون الثاني فينص على رفع عقوبة الفكر إلى مرتبة عقوبة الكفر أي أن يقام عليه الحد. فيؤيد القرويون “قانون الشعير” الذي يحميهم من العقاب. ويخرج شيخ القرية مواليا لهذه الفكرة مستعيذا من الفلسفة والتفلسف. وبعد هذا العذاب يظهر أحد القرويين، وهو أعمى، معارضا لـ”قانون الشعير”، مستعدا أن يضحي بعمره مقابل لحظة احترام واحدة للخلاص من شر الغربان. فيفكر بالرحيل عن القرية ويُكشف أمره فيكون عقابه المقصلة. ومع مرور الزمن ينتظر أهل القرية مفكر القرية الذي يفشل في البحث عن حل لمشكلة الغربان، ويظهر المسافر هنا ليقترح فكرة رمي الغربان بالحجارة ويوافق الملك على فكرته معينا إياه مفكرا، فيفرح أهل القرية بالمفكر الجديد.
وفي جلسة التعقيب على المسرحية قال الكاتب أحمد الأزكي رئيس قطاع الإنتاج الدرامي بهيئة الإذاعة والتلفزيون: أعتقد أن فرقة التمثيل في مسرحية “فكرة” قد ورطت نفسها باختيار هذا النص، إذ جاء هذا النص فوق طاقات هؤلاء الطلبة الذين حاولوا قدر الإمكان أن يصلوا بنا إلى مفهوم الفكرة التي يريد أن يطرحها الكاتب. والفكرة بهذا الموضوع يمكن أن نسقطها على أشياء كثيرة في حياتنا اليومية أبسطها الإعلام أو أصحاب القرار وقس على ذلك ما تشاء من أمور. وأنا أعلم أن نصوص الكاتب بدر الحمداني طويلة جدًّا وحواراته كثيرة جدًّا وأظن أن المخرج اشتغل على تقليص الكثير من الحوارات.
وأضاف “الأزكي”: القرية السعيدة في هذا النص ليست سعيدة، إنما هنالك من يسيطر على أفكارها وعقولها، وهناك من يفكر عوضًا عنهم. فهذا واقع ولاسيما من يطرح تلك الأفكار السامة ليدنس عقولنا وعقول أبنائنا وأجيالنا القادمة، يدس السم في جمل بسيطة أمامنا وبدر الحمداني يحاول أن يلامس ذلك، فنحن المشتغلين بالإعلام ندرك ذلك جيدا، والآن حتى المشاهد العادي أصبح يدرك وجود العديد من القنوات الفضائية التي تغزو بيوتنا وهي موجهة توجيها ساما ونحن نستقبل كل ما أمامنا للأسف الشديد. وفي هذا النص تطرح فكرة أن كل ما تنشأ عليه المشاكل أساسه لقمة العيش.
وحول الديكور قال “الأزكي”: استطاع المخرج من خلال هذا الديكور الأسود أن يدخلنا إلى عتمة الفكرة نفسها بهذا السواد، فجعل هذا الأسود يسيطر علينا. يبقى في موضوع الحركة أن الممثل قد تجاهل مناطق المسرح التسعة تجاهلا تامًا في كثير من المواقف، فأصبحت المسرحية جامدة لا حركة فيها. فالتمثيل في المسرح هو تمثيل للصالة فلا يكون التمثيل للداخل، والممثلون هنا قد أعطوا للجمهور ظهورهم في جمل طويلة لا يستدعى منها شيء وهذا من ضمن السلبيات الموجودة في هذا العمل.
وفي مداخلتها قالت الدكتورة آمنة الربيع: أنا لا أفكر لكني موجود، هناك ثلاثة أقطاب في هذا النص وهي: قطب السلطة جسّدها العسكر، وقطب الخطاب الديني جسّده الشيخ، وقطب المجتمع وهم الفقراء والبسطاء في القرية السعيدة. كان العرض بسيطًا وواضحًا ومباشرًا. النص قدم كوميديا محسوبة إلى حد ما، وهناك فرق بين الكوميديا المبتذلة والكوميديا الساخرة الهادفة. وفيما يتعلق بلغة الإخراج المسرحي العرض حاول أن يصل بلغة سهلة وبسيطة ولكنها خالية من الفهم الدقيق للحركة على المسرح والانتقال من مشهد إلى آخر ، والمشهد الأخير دلل تماما على وقوع المخرج في لغة إخراجية ما عادت لها مفردات.
من جهته قال راشد الورثان “مخرج العمل” : عندما نتحدث عن مسرح لطلبة فإننا نتحدث عن هواة وليس محترفين، فالمطلوب مني بوصفي مخرجا أن أتعامل مع هواة غير محترفين. النص صعب بالفعل ويحتاج إلى ممثلين ذوي خبرة في الأداء الإذاعي قبل المسرحي، وأنا قد فرض عليّ هذا النص. ولكن السؤال هنا هل استطاع هؤلاء الهواة الممثلون أن يوصلوا ولو جزءا من فكرة المخرج؟ والحركة في المسرح توحي بأن الشخصية في هذا النص هو شخص متلقٍ. وأنا لم أرد أن أكون ملقنا للطلبة في الحركة والأداء. ونحن كنا في حلقة عمل قبل هذا لكي نصل بهذا النص الثقيل الحجم من خلال المسرح الأسود والحركة البسيطة إلى الجمهور.
الجحدول
وكان قدم طلبة جامعة السلطان مساء أمس الأول (الثلاثاء) عرضا مسرحيا بعنوان “الجحدول” من إخراج سامي البوصافي ومن تأليف الكاتب بدر الحمداني، ومثل في العرض كل من أحمد المجرفي وزاهر الصارمي وسالم المعمري وسرور الخليلي وسليم الهاشمي وعبد الرحمن الشقصي وعمار المحروقي وعيسى البلوشي ومنتصر المسلمي وهيثم المسعودي إضافة إلى الممثلة تاج البلوشية.
وقد شهدت المسرحية حضورا جماهيريا كبيرا بالقاعة الكبرى وتناول هذا العرض المسرحي قصة حارة تكاد تكون الأحداث فيها معاكسة لما هو في الواقع فسكانها يستمتعون بالضرب والإهانة والألم أكثر، و(معسوف) هو الشخصية الرئيسية في هذا العرض وهو أحد أفراد هذه الحارة لكنه يحاول أن يصل إلى فردوسه الخاص وفردوسه هو “الجحدول” مالك هذه الحارة وقائدها، ويحاول معسوف أن يصل إليه لأجل تحقيق هدفه وبعد ذلك يتفاجأ أن كل هذا الفردوس وكل هذه الآمال وكل هذه الأحلام للوصول إلى الفردوس، كذبة كبيرة وشائعة صدقها هو وأهل الحارة صنعها حراس الجحدول (هي رحلة للبحث عن الأمل المغلوط، رحلة عن ذلك الوهم الكاذب أو الوهم الخاطئ).
وقال جلال بن عبد الكريم اللواتي من لجنة التعقيب: بحكم علاقتي الوطيدة ببدر الحمداني كمؤلف وبحكم علاقتي بسامي البوصافي كممثل أو كمخرج، جاء التحدي بالتعقيب على هذا العرض “الجحدول “، حقيقة اطلعت عليه قبل 12 سنة عندما كتب بدر في بداية تجربته الفنية في الكتابة كتب الجحدول وكان نصا مضطربا يأخذنا بالأفكار يمنة ويسرة، سأبدأ الدخول في النص، فالنص عموما تناول مفردات تركز على الثنائيات (ثنائية الألم والمتعة)، هنا تناقض غريب في المجتمع فالجزء الأول من النص يؤكد على هذه الثنائيات وفي الجزء الثاني يأتي بدر ويكون في ثنائية أخرى (الفردوس والمرحاض) وهذا ما شاهدناه في العرض، والحمداني جعلنا نطرح تساؤلات كثيرة وعميقة وبعيدة في كل الأشياء جعلت كلا منا يبحث عن جحدول ويفنده، وقد سألت بدر عن معنى كلمة جحدول؟! بعد أن عييت في البحث عن المعنى في قاموس اللغة فقال: الجحدول ربما تعني في بعض المعاجم الرجل السمين شديد السمنة، وفي بعض المعاجم تعني شيئا آخر ولكنني في هذا العمل لن أقصد بها شيئا آخر بل أردت أن يكون لكل فرد من الجمهور جحدول.
وأضاف “اللواتي” بدر الحمداني الكاتب بطبيعته رجل كلاسيكي في نصوصه أي أنه يجيد صياغة الحوارات بطريقة تقليدية، وقد أعجبني أداء سرور الخليلي في دخوله للشخصيات ولكن الأهم الذي ظهر في هذا العرض اللحمة والجناس، نحن لا نصنع مسرحا! نحن نحب ونصنع المحبة من خلال المسرح.