أن تعقد حكومة الاحتلال الإسرائيلي جلستها الأسبوعية أمس في هضبة الجولان السورية المحتلة، في محاولة يائسة للتأكيد على بقاء هذه الأرض العربية تحت براثن الاحتلال الإسرائيلي، لا يضيف شيئًا جديدًا في الطبيعة العدوانية لكيان الاحتلال الإسرائيلي وفي سياسة العربدة الإسرائيلية المستمرة، لكن الجديد هو ما جاء في سياق العربدة وعلى لسان المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الذي بدا منتشيًا ومن معه من عصابة اللصوص، ليفتح النقاش واسعًا وليضع النقاط فوق الحروف، ويسمي الأشياء بمسمياتها، وليضفي مزيدًا من الدلائل والبراهين على حقيقة “الحريق العربي” الذي لا تزال تتمدد كرات لهبه في المنطقة.
نتنياهو حاول إشباع غريزته الاحتلالية التوسعية التي لا تشبع أساسًا، وكذلك غرائز الإسرائيليين، كما حاول أن يرسم خطوط أحلامه وأحلام الإسرائيليين على أرض الجولان،، الأرض العربية ـ السورية، حين ذهب إلى أن “مرتفعات الجولان ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية”، معربًا عن شكه في قدرة سوريا على العودة إلى ما كانت عليه، مضيفًا (قلت لكيري إننا لا نعارض التسوية السياسية في سوريا شرط أن لا تأتي على حساب “إسرائيل”). وطبعًا هذه التصريحات تفضح حقيقة الأدوار التي لا يزال يلعبها كيان الاحتلال الإسرائيلي وعملاؤه والخونة في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة في تدمير دول المنطقة التي تناصب هذا الكيان الاحتلالي الإرهابي العداء، وتقف منه سياساته الاحتلالية والإرهابية موقفًا مشرفًا خاصة دول الطوق مثل سوريا ولبنان، كما تكشف حقيقة ما سمي “الربيع العربي” الذي هو في شكله ومضمونه ونتائجه “حريق عربي”، وأن هذا الحريق خُطِّط له بعناية فائقة لصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي ومشروع توسعه وهيمنته على المنطقة. فنتنياهو حين عبَّر عن شكه في عودة سوريا إلى سابق عهدها، لم يعبِّر من فراغ، وإنما انطلق في تعبيره إلى جملة وقائع تعكس نجاحه في خلق قوى عميلة وخائنة عاونته في تعميم إرهابه بالمنطقة بالوكالة عبر تكوين عصابات إرهابية تحت مسمى “الثوار”، والإتيان بديكورات تحت مسمى “معارضة معتدلة” لإضفاء نوع من الشرعية على هذا الإرهاب، ولذلك لم يكن ناتجًا عن تقاسم المصلحة ما تفعله تلك القوى العميلة والخائنة والعصابات الإرهابية وديكورات “المعارضة المعتدلة” من تخريب وتدمير وتهجير وإبادة بحق الشعب السوري، وكذلك التصريح بكل وقاحة باستقطاع الجولان السوري بالكامل وتمليكها لأسيادهم الصهاينة مقابل تدخلهم عسكريًّا لتدمير سوريا.
على الجانب الآخر تفضح تصريحات نتنياهو دور العرَّاب الأميركي في لعبة الحل السياسي في سوريا ودوره في تدوير زواياها بصورة مستمرة، وتبديل الأدوار بينه وبين عملائه ووكلائه وأدواته ومرتزقته، وذلك حين أكد نتنياهو (قلت لكيري إننا لا نعارض التسوية السياسية في سوريا شرط أن لا تأتي على حساب “إسرائيل”)، ومعنى ذلك أن شرط كيان الاحتلال الإسرائيلي للتسوية أن يلتهم أرض الجولان السوري المحتلة ويوقع على شيك مجاني بذلك الجميع، مع ضمان أن تبقى سوريا ضعيفة مقسمة؛ ولهذا فإن ما قاله نتنياهو فَسَّر في جانب كبير من حركة البهلوان الأميركي المراوغة، مع اليقين بأن هذه الحركة ستكثر في قادم الأيام لتحقيق الحلم الإسرائيلي باقتطاع أرض الجولان السوري، لا سيما وأن السيد الإسرائيلي قد بعث برسالته وشروطه هذه إلى جميع حلفائه وعملائه وأدواته للعمل على إنجاز ذلك.
لكن ما لم يحسبه نتنياهو ومن معه في حلفه من الحلفاء والعملاء والخونة، هو أن إشغال سوريا بالإرهاب ومحاولة تمزيقها برهان أنها في نهاية الأمر إما أن تقع فريسة له أو أن تساوم على ثوابتها الوطنية بالتنازل عن جزء أصيل من ترابها، هو وهم محض؛ فسوريا التي تحارب الإرهاب تدرك مسبقًا أن هناك من يتربص بها وأن العدوانية الإسرائيلية قائمة في أي لحظة، ومخطئ من يتوهم للحظة واحدة، أن جاهزيتها للرد قد تأثرت بما تعرضت له، أو حرفتها عن بوصلة الخطر القائم المتمثل في وجود العدوانية الإسرائيلية الدائمة والجاهزة لممارسة عربدتها، أو صرفها عن ثوابتها الوطنية والقومية والإسلامية، وما الرد الرسمي السوري أمس على تصريحات نتنياهو بأن استرجاع الجولان موقف وطني وقومي ثابت لن يغير الواقع منه شيئًا ولن يزعزعه قيد أنملة، إلا خير دليل، فالجولان أرض عربية سورية وستبقى أرضًا عربية سورية وأن الاحتلال مهما طال أمده إلى زوال محتوم.