خميس التوبي
العودة التدريجية لقوات الغزو الأميركي إلى العراق بذريعة إسناد القوات العراقية في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، تكشف أن قرار سحب كل القوات الغازية لم يكن خيارًا أميركيًّا استراتيجيًّا ولا يعبِّر عن قناعة تامة، كما تكشف أن الاتفاقية الأمنية التي وقعها نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق مع أصدقائه الأميركيين لوضع العراق تحت الوصاية الأميركية أو بالأحرى تحويله إلى مستعمرة أميركية، لم تحقق الأهداف الاستراتيجية وفي مقدمتها جعل العراق الولاية الأميركية الثانية والخمسين بعد كيان الاحتلال الصهيوني، خاصة بعد أن بدا العراق ـ في نظر الأميركيين وأعوانهم وعملائهم الذين ساندوا في تدميره ـ يتجه إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولذلك كان لابد من البحث عن أسباب قوية تسوغ للولايات المتحدة إعادة احتلال العراق، وإعادة تموضع قواتها فيه، لما يشكله موقعه الجغرافي وموارده البشرية وثرواته من أبعاد استراتيجية قادت أساسًا إلى غزوه وتدميره، حيث يمثل العراق حلقة وصل لمحور المقاومة الممتد من الجمهورية الإسلامية الإيرانية مرورًا بالعراق، فسوريا ثم جنوب لبنان. ولهذا اتجهت “الداية” الأميركية ومعاوناتها إلى توليد تنظيم القاعدة الإرهابي بنسخته “الداعشية” الجديدة، والتكفل بتقديم كل ما يحتاجه لينمو ويتوحش داخل العراق وما جاوره، ليكون مبررًا قويًّا لبناء استراتيجيات التدخل العسكري في الشأن الداخلي للعراق وتمدده. فإذًا الهدف هو ضرب النفوذ الإيراني المتصاعد في العراق، وتقطيع جغرافيا محور المقاومة، ولأجل تحقيق ذلك لابد من اللجوء إلى أسوأ الخيارات وهو تقسيم العراق إلى كيانات طائفية وفق التوزيع الطائفي والعرقي الحالي.
من الواضح أن العقل الصهيو ـ أميركي قد راعى عنصر التوازن ـ في مخططه لاستعمار العراق والهيمنة عليه كليًّا ـ بين الإرهاب القاعدي والاحتلال العسكري ومضاعفة عديد القوات الأميركية المحتلة، بحيث يتم توظيف الإرهاب القاعدي في إثارة الفوضى وضرب الاستقرار السياسي والأمني فيه، واستهداف من يريد المستعمرون الأميركيون استهدافه، في حين تتولى القوات الأميركية المحتلة التي توالي إقامة قواعد جديدة، رعاية هذا الإرهاب وتوجيهه، والتدخل عند الضرورة، ومنع التواصل الجغرافي لمحور المقاومة.
على أن التحرك الأميركي الحاصل بإرسال مزيد من القوات الأميركية إلى العراق تحت كذبة محاربة “داعش” لا يمكن فصله عن الأهداف الاستراتيجية الصهيو ـ أميركية في سوريا ومن ثم لبنان، فالعراق ـ بأرضه وسمائه وبسكانه وبأشجاره وأنهاره ـ بات في حكم المؤكد مستعمرة أميركية بامتياز، فيما تتواصل مؤامرة تدمير سوريا وإلحاقها بالعراق وليبيا ليتم التفرغ فيما بعد لتصفية المقاومة اللبنانية والقضية الفلسطينية، وما إعلان المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ضم منطقة الجولان السوري المحتلة، وإعلان ما يسمى “الهيئة العليا للمفاوضات” السورية الانسحاب من جلسات محادثات جنيف، إلا خيوط تشير إلى ذلك، حيث الحالة المشتركة بين العراق وسوريا هي إدارة الإرهاب وتعويمه، فالولايات لا تحارب “داعش” ذراعها اليمنى وجنديها في العراق، وإنما كل ما تفعله هو عملية توجيه ودعم وإدارة، كذلك الحال في سوريا حيث يتولى كيان الاحتلال الصهيوني وعملاؤه عملية إدارة وتعويم إرهاب ما تسمى “جبهة النصرة” لجهة استغلال نفوذها الإرهابي الكبير بدمجها مع التنظيمات الإرهابية الصغيرة والمصنفة أميركيًّا “معارضة معتدلة” بحيث ترفرف رايات التنظيمات الإرهابية الصغيرة كـ”الجيش الحر” و”أحرار الشام” وغيرها فوق رؤوس إرهابيي النصرة لحمايتهم من أي استهداف سوري ـ روسي، ولضم المناطق الخاضعة لسيطرة إرهاب “النصرة” مع المناطق الخاضعة لسيطرة إرهاب “المعارضة الأميركية المعتدلة” في إطار البحث عن أوراق ميدانية قوية يمكن توظيفها في محادثات جنيف لابتزاز الحكومة السورية، وكذلك لجهة سعي كيان الاحتلال الصهيوني توظيف إرهاب “جبهة النصرة” ليكون خط دفاع له في الجولان السوري المحتل، وحائط صد لأي محاولة سورية لاستردادها.
وإزاء ذلك يمكن القول إن حروب الاستعمار التي تقودها الولايات المتحدة قد انتقلت من العمل العسكري المباشر إلى الحروب بالوكالة يقودها نيابة عنها التنظيمات الإرهابية وبدعم سخي من العملاء والوكلاء والخونة واللصوص والمرتزقة، حيث دور القوات الأميركية المحتلة، سواء في العراق أو سوريا يقتصر على التخطيط والإشراف والتوجيه، ومثلما هؤلاء يعملون على اعادة العراق مستعمرة تابعة للسيد الصهيو ـ أميركي يستميتون لتحويل سوريا مستعمرة صهيو ـ أميركية، ولعمري إن هذا الواقع ينطبق مع ما تداولته مواقع التواصل الاجتماعي نقلًا عن أحد اللقاءات التلفزيونية لمحطة بريطانية مع طارق عزيز وجه إليه خلاله سؤال: كيف تتعاملون مع المعارضة العراقية في الخارج؟ فأجاب طارق عزيز: العراق ليس له معارضة. فسأله المحاور وهؤلاء الذين يعقدون مؤتمرات وندوات في لندن وبعض دول أوروبا وإيران؟ فأجاب طارق عزيز قائلًا: هؤلاء ليسوا معارضة، إنهم مجاميع من اللصوص والعملاء لدول الجوار لو تسنى لهم حكم العراق لنهبوا أمواله وباعوا أرضه. فها هم الذين وصفهم طارق عزيز قد حولوا العراق إلى مستعمرة صهيو ـ أميركية، وأمثالهم يعملون على تحويل سوريا إلى مستعمرة صهيو ـ أميركية.