زهير ماجد
حين انتحر الشاعر اللبناني خليل حاوي ردا على اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، فإنه فتح سؤال الصدمة على نفوس تأبى أن تنهزم أو تتبهدل .. هذه النفوس متوافرة في عالمنا العربي وتتطلع حولها، تنظر بعمق المسؤولية، لكنها عاجزة عن الفعل، فما يحدث في عالمنا العربي صعب ومعقد، بل إن صوره لم تدركها تلك النفوس قبلا وبهذه الطريقة الهمجية، فهنالك من ينتقم من البشر والحجر على حد سواء، وهنالك من يفرغ طاقته العمياء برقاب استحل دمها، وثمة من يقتل التاريخ بتدمير مدخراته ومن بقي لنا منه من آثار، وهنالك من رأى الفرصة سانحة ليصافح عدو الأمة ويسكن مستشفياته ويقيم علاقات معه .. ثمة الكثير مما نشاهد ونعرف، وثمة مما لا نعرفه ولا نشاهده لكنه يحصل.
لا أعرف ماذا كان سيفعل خليل حاوي لو ظل على قيد الحياة ليرى ما هو أصعب بكثير من احتلال الكيان الصهيوني للبنان، الذي ولد فورا مقاومة ظلت تقاتله ثمانية عشر عاما إلى أن أخرجته من الأرض التي احتلها. لكني متيقن أن هذا الشاعر المميز كان سيعيش أسئلة لا ترحم، وخصوصا أمام ذلك الدمار في سوريا الذي لم تعرفه مدن ألمانية ولا روسية خلال الحرب العالمية الثانية، وشكل القتل الممنهج أيضا. هذا الانتقام من كل ما تراه العين من بشر وحجر ينم عن إحساس هائل من الإحساس الذي أساسه تطرف كامن في النفوس، فلماذا يقوم به مواطن سوري كان آمنا على نفسه ويعيش حياة وادعة مصانة مؤمنة بكل جوانبها. لا أعرف بماذا سيجيب هذا المواطن لو تسنى لي، افتراضا، أن ألتقي به لأسمع الجواب منه. وهذا المواطن العراقي الذي ينتحر ليقتل أكبر عدد من مواطنين مثله، أو يوقف سيارته المفخخة في مكان مزدحم للغاية ذاتها، أو يقوم بذبح أهله أو تهجيرهم من ديارهم .. وهذا الليبي الذي وقع فريسة فكرة البقاء للفوضى، وغيره مما لا نود قوله لكنه قائم.
لا غرابة في ما يحث لكنه وصل إلى غاياته والغايات تكون أيضا نهايات، وكل ما وصل إلى حده انقلب إلى ضده كما يقول المثل .. واقع الحال بات معروفا ومحسوبا، المسألة ببساطة أن الإرهاب لا يريد التسليم بعجزه؛ لأن ثمة قوى تتيح له أن يظل واقفا وبيده سلاحه ولا هم إذا كان له مشروع سوف يتحقق، المهم هو القتال، وحالة كهذه يعوزها البرنامج في ذهن المسلح، هي الأخطر، لأن المتاجرة بهذا الشاب تحصل، هم يحملونه من جبهة إلى أخرى، وفي الوقت نفسه هو هارب باستمرار أمام الجيش العربي السوري، يتنقل من مكان إلى آخر، من تحت سقف إلى مكان بلا سقف، ويظل يعرف أن موقعه الجديد لن يبقى طويلا فعليه أن تكون حساباته الدائمة تأمين البديل كي لا يموت أو يقع في الأسر.
لا شك أن الإرهاب ينتحر، لكنه صامد، إلا أن المؤكد أن الأمل في تحقيق أهدافه خفت كثيرا. لكنه أيضا نسي في غمرة قرقعة السلاح أنه مجرد أداة سوف يرمى بعد انتهاء الحرب إما إلى طعام للسجون، أو جثة في مقبرة، الآخرون هم من سيحصد النتيجة وسيحصل على مبتغاه إن تمكن من انتزاع المكاسب.