تأتي تصريحات رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو الخاصة برفض الكيان الغاصب المبادرة الفرنسية المطالبة بعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط، لتؤكد سذاجة الطرح العربي (المعلن) الحالي لحلحلة القضية الفلسطينية، كما أن الرفض الإسرائيلي يرتكز على حماية أممية تفرضها واشنطن تمنع أي قرار أممي يدين كيان الاحتلال، ويجعل من الحديث عن التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لطرح مشروع قرار مناهض للاستيطان الإسرائيلي على المجلس حالة من العبثية التي لا يقوى الفلسطينيون على غيرها في الوقت الحالي، ومواصلة استجداء موقف دولي، يضع سقفًا زمنيًّا لإلزام كيان الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة.
إن الرفض الإسرائيلي يعي جيدًا أن بقاء المفاوضات ثنائية سيعطيها فرصة كبيرة في سرقة المزيد من الأراضي وممارسة أبشع جرائم القمع والإرهاب والإعدام الميداني، لكن الغريب حقًّا هو السعي العربي الساذج (على الأقل في العلن) نحو تلك الحلول، فالمسألة ليست في عقد مؤتمر دولي يجلس فيه الزعماء لتبادل التحيات، ويلقي كل منهم خطابًا منمقًا يرضى عنه هذا الطرف أو ذاك، لكنها ترتبط بالإرادة الدولية المسلوبة من حماة كيان الاحتلال الإسرائيلي وأذنابهم. فإحقاق السلام الشامل والعادل لا يحتاج مؤتمرًا دوليًّا، خصوصًا وأن أرفف مجلس الأمن حبلى بالقرارات الأممية التي توضح الحقوق الفلسطينية الأصيلة، مثل 242 و388 و605 و670 و673 و904، حيث نصت جميعها على حماية الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة في العودة والدولة ذات السيادة بعاصمتها القدس المحتلة.
فإذا كان كيان الاحتلال الإسرائيلي يرفض تنفيذ القرارات الموقعة والالتزام بها فليس هناك جدوى حقيقية من أي محادثات سلام، أو جدوى من عقد مؤتمرات، حيث إن المشكلة ليست في الاتفاقيات ولا في القرارات، ولكنها في السلوك الإسرائيلي الإرهابي، والمعاملة فوق القانون، والخنوع العربي المذل المتواطئ أحيانًا، وتوازنات صنعتها الدول الاستعمارية القديمة والجديدة، هدفها الحفاظ على هذا الكيان الغاصب وضمان تفوقه، حتى وإن جاء ذلك على جثث وأشلاء من في المنطقة جميعًا.
فبرغم بشاعة الموقف الغربي من القضية الفلسطينية إلا أن له قواعده وأسسه المبنية على المصالح، لكن هناك في كواليس المنطقة العربية المبتلاة بالإرهاب والقمع والقتل والتآمر، من يسعى إلى الضغط على القيادة الفلسطينية الحالية، أو استبدالها وفق صفقات معينة للقبول بتنازلات كبيرة، بهدف ترتيب الأوراق إقليميًّا، وفق تقسيم إقليمي جديد، لم يستطع بعد أصحابه إعلانه، لكن لقاءاته السرية واتفاقياته تزكم الأنوف وتملأ الدنيا ضجيجًا، خصوصًا وأن قديمًا قالوا إن العروبة دون فلسطين لا تعدو كونها واجهة خادعة ومضللة ومشبوهة، وإن أية تحولات أو متغيرات كبيرة تحدث في العالم العربي تنعكس مباشرة على القضية الفلسطينية.
لذا فما يحدث الآن من صراعات إقليمية جلية يجب ألا ينعكس على القضية الفلسطينية، وألا يوظف لخدمة صراعات داخلية. إلا أن الخطورة الكبرى هي أننا نشهد ردة بعض العرب لتنفيذ مخطط معد مسبقًا لكسر العلاقة بين الشعوب العربية وفلسطين، وحتى يتحرر بعضهم من التزاماتهم ومسئولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، ويُعززون علاقاتهم الاستراتيجية مع واشنطن وكيان الاحتلال الإسرائيلي، دون ربط ذلك بحل القضية الفلسطينية، أو وقف حالة العدوان المستمرة على الفلسطينيين.