كثيرة هي المشروعات التي استهدفت تأمين حياة كريمة لكل العمانيين لا يتسع المجال هنا لتعدادها، ولكن في ظل الحاجة الماسة إلى تنويع مصادر الدخل انطلاقًا من أهمية إيجاد الخطط والآليات الكفيلة باستثمار مواردنا الطبيعة، فإن قطاع الزراعة يعد واحدًا من القطاعات الكفيلة بتحقيق الأمن الغذائي. فالزراعة والثروة الحيوانية من أقدم النشاطات التي قام بها الإنسان على الأرض ومن ثم فإن هذه الأولوية تشير إلى أهمية هذا المورد الإنتاجي. كما أن كل الحضارات الإنسانية القديمة التي سجل التاريخ أنشطتها الحضارية كانت نهضتها تقوم على أكتاف المجتمع الزراعي، ومنها الحضارة العمانية التي ألهمت أحفادها كيفية وطرائق الاحتفاظ بالأرض وتقديس تراب الوطن واحترام الجهد البشري مهما كانت بساطته الظاهرية، وربما يكون ظهور النفط قد جعل من هذه الأنشطة تتوارى في سلم المصادر الأساسية للدخل الوطني، إلا أن أزمة انهيار أسعار النفط التي ضربت عميقًا في اقتصادات العديد من دول العالم، بدأت تسلط الضوء من جديدعلى أن الزراعة هي نفط دائم، وديمومته تتمثل في قدرته على تأمين العيش الكريم ومد الحياة على الأرض، وكذلك في الثقة العالية التي تعد غير معرضة للاهتزاز والتفاعلات السياسية، خاصة بالنسبة للشعوب التي تملك رصيدًا خبراتيًّا عميق الجذور في المجال الزراعي والثروة الحيوانية، ومع بعض التطوير واستخدام أساليب التكنولوجيا الحديثة في ترشيد الري، وكذلك التوسع في الزراعات المحمية وطرائقها يمكن بالفعل استثمار هذا الرصيد المعرفي بشؤون الزراعة وتربية الماشية للوفاء بحاجات السوق المحلي على أقل تقدير.
ويعتبر مشروع المليون نخلة واحدًا من الجهود المقدرة النابعة من الفكر الحكيم والنير لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ لتأصيل الدور العماني في هذا المجال والتأكيد على أهمية النخلة كمصدر غذائي من شأنه أن يكفل الأمن الغذائي في بلادنا، وليكون مشروعًا استراتيجيًّا لرفد الزراعة في السلطنة، وتعزيز التنمية المستدامة. والمؤتمر الدولي للاستثمار في قطاع النخيل والتمور (الواقع والآفاق) الذي انطلقت أعماله أمس، يعكس مدى الاهتمام بالنخلة ويسلط الضوء على أهميتها لكونها العمود الفقري للأمن الغذائي بالسلطنة، حيث يهدف المؤتمر إلى الاستفادة من الخبرات لمعالجة ما بات يمثل إحدى الإشكاليات التي تواجه عملية تسويق التمور في بلادنا، من حيث عملية التسويق والمواصفات ومقاييس الجودة، وطرائق التعليب والعرض والتنافسية وغيرها التي تفتقر إليها تجارة التمور في بلادنا، بالإضافة إلى الصناعات المتأتية من النخلة كسعفها وجذوعها وعذوقها وأليافها.
على الجانب الآخر، ولما كانت الحاجة ملحة وكبيرة إلى قطاعي المياه والكهرباء، وارتباطهما بالنمو الزراعي والتوسع السكاني، فإن قضية هذين القطاعين تشكل هاجسًا أساسيا لكل دول العالم تقريبًا وليس السلطنة وحدها، حيث تبدو أزمة مياه الشرب وكذلك مياه الري والمياه المستخدمة في الصناعة والأغراض والنقص في إمدادات الكهرباء وانقطاعاتها آخذة في التحدي، ما يرتب زيادة فاعلية الجهود للتغلب عليه. فالصعوبات المائية والكهربائية أخذت تؤثر في خريطة الانتشار السكاني وبرامج التنمية خاصة في المجال الزراعي المرتبط بأزمة الغذاء في العالم. ولا شك أن وقوع بلادنا في منطقة الحزام الصحراوي تجعلنا من أحوج الدول إلى البحث عن أدوات جديدة للحصول على المياه ومشاركة دول العالم اهتمامها بهذا الملف الهام، ما يستدعي تضافر الجهود لإيجاد منظومات مؤسسية وتشريعية متكاملة، ووضع التصورات الحديثة حول تنفيذ مشروعات مائية، واستثمار المخزون الجوفي استثمارًا أمثل على نحو يفي بالاحتياجات، وإدارة قطاعي الكهرباء والمياه لتأمين الموارد المائية والطاقة الكهربائية لبرامج التنمية المستدامة في السلطنة، لا سيما في ظل تراجع أسعار النفط. ويحاول مؤتمر ومعرض عمان للطاقة والمياه الذي انطلقت فعالياته أمس أيضا أن يطرح حلولًا وأفكارًا وابتكارات يمكن أن تسهم بالدفع بمشاريع الطاقة والمياه قدمًا، من حيث إيجاد أفضل السبل لترشيد استهلاك المياه والكهرباء المنزلي والصناعي وكذلك الزراعي، والقضاء على السلبيات الخاطئة، وبث الوعي اللازم للمستهلكين، بما يحقق الخطط والتوجهات الحكومية بتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية من قطاعي الكهرباء والمياه.
إن توالي مثل هذه الجهود وتضافرها حالة صحية يجب أن لا تفرضها الأزمات، وإنما يجب أن تكون ثقافة عامة وركيزة من ركائز العمل الوطني المشترك، لدورها في رحلة التطور والنمو والتحديث والتنمية الشاملة المستدامة في عماننا الحبيبة.