■ تأتي العملية التي قام بها الشابان الفلسطينيان في قلب عاصمة كيان الاحتلال الإسرائيلي، لتؤكد أن الشعب الفلسطيني ماضٍ في خياره الرئيسي ألا وهو تحرير كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما بعثت العملية رسالة لأصحاب المبادرات ومن يسير في فلكهم من القيادة الفلسطينية، أن التفاوض وإن كان نهجًا يسعى الفلسطينيون من خلاله إلى استعادة حقوقهم، إلا أنه ليس الخيار الوحيد. فالفلسطينيون لا يزالون يملكون خيارات قد تفاجئ العالم أجمع وتمنعه من رسم اتفاقيات لا تؤكد على الثوابت الفلسطينية.
إن الشابين الفلسطينيين يمثلان جيلًا جديدًا من الفلسطينيين غير ملوث بالانقسام والفرقة، والتنازع على فتات أوسلو، بل هو جيل يصعب اختراقه لغياب التنظيم الفصائلي للمقاومة، فالمقاومة فعل راسخ في العقيدة دون تخطيط مسبق تستطيع دولة الاحتلال إفشاله عبر التنسيق الأمني، أو الرقابة على الفصائل النشطة في عملية المقاومة، إنه فعل عبقري تطور مع تطور أساليب القمع الاحتلالية، ليؤكد أن شباب فلسطين لن يحيدوا عن حقوقهم قيد أنملة، حتى وإن تركهم العالم في يد نظام إرهابي إجرامي لا يراعي أبسط الحقوق الإنسانية، إنه خيار فلسطيني بامتياز عبَّر عنه شابان بعملية نوعية، لم يعلم بها الأب أو العم، فكيف لكتائب كيان الاحتلال المخابراتية أن تعلم، إنها رسالة لكيان الاحتلال، بأن قمعك وجبروتك وإرهابك، لن يمنع المقاومة الفلسطينية من الوصول للعمق.
والسؤال الذي يجب أن يسأله الإسرائيليون أنفسهم ثم قادتهم هو: ما الذي دفع هذين الشابين إلى تنفيذ هذه العملية النوعية؟ أوليست سياسة الإرهاب والعنف والإقصاء والإلغاء والتطهير العرقي العنصري التي تتبعها حكومات الاحتلال؟ لقد جاءت هذه العملية النوعية بعد سلسلة من التقارير أوحت أن الكيان قادر على احتواء انتفاضة القدس، لدرجة جعلت موقعًا إسرائيليًّا استخباراتيًّا كـ»ديبكا» الإسرائيلي ينقل عن قائد شرطة الاحتلال في منطقة تل أبيب شيكو إدري اعترافه بأنه لا توجد معلومات عن الفلسطينيين اللذين نفذا العملية، وكشف أن مسؤولي الأمن فشلوا في تحديد المعلومات المتداولة بالفعل على الشبكات الاجتماعية حول أن خلية فلسطينية مسلحة وصلت إلى تل أبيب من أجل تنفيذ عملية استشهادية، ولفت «ديبكا» إلى أنه خلال اليومين الماضيين نفذ الفلسطينيون بمدينة الخليل خدعة ضد جهازي الشاباك والاستخبارات العسكرية اللذين يستفيدان من التعاون مع نظرائهم في رام الله، حيث أعلن عن اختفاء شخصين، بهدف إشغال الأجهزة الأمنية في هذا الأمر ومن ثم تنفيذ العملية، ما يؤكد أن العملية خطط لها بشكل جيد وتم التجهيز لها منذ فترة طويلة، حيث إن المنفذين يتمتعان بذكاء كبير، خاصة في اختيار هذا المطعم تحديدًا، والذي به مداخل ومخارج لا تعد ولا تحصى وفي الواقع لا يمكن التحكم في الذهاب والإياب منه، فضلًا عن أنه يقع بالقرب من وزارة الحرب وهيئة الأركان العامة؛ لذا تنفيذ هذه العملية يريد من خلالها الفلسطينيون أن يؤكدوا على أنهم يمكن أن يصلوا إلى هذه المرافق والمباني الأمنية الحساسة.
أما من ناحية إغلاق كيان الاحتلال لكامل الضفة ومحاصرة قرية يطا وإلغاء تصاريح دخول الفلسطينيين القدس، وحالة العقاب الجماعي التي يعيشها الشعب الفلسطيني فهو واقع يعيشه الفلسطينيون بشكل يومي، فغياب العمليات لم يحسن من شروط الكيان الغاصب، ولم يقلل من وتيرة استيطانه، ولم يقلل من اعتقالاته، ولا من سرقته للأراضي الفلسطينية، بل إنها لم تكفل معاملة إنسانية للأسرى الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات أو داخل السجنين الكبيرين الضفة الغربية وقطاع غزة. إن الضجيج الذي أحدثه نتنياهو وليبرمان المقصود الأول بالعملية، ما هو إلا محاولة تداري الفشل الذي أوجده خيار الدولة الفاشية.
إن العملية ليست سوى إجابة سريعة على إعلان كيان الاحتلال أن الانتفاضة الفلسطينية «ماتت»، فالجيل الجديد من الشباب الفلسطيني يصر على المقاومة في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إعدامات واعتقالات ونهب للأراضي وتهويد للمدن وحصار جائر وتهجير قسري ورفض للاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وتهديدات من مسؤولين إسرائيليين متطرفين بينهم وزير الحرب أفيجدور ليبرمان بترحيل الشعب الفلسطيني وتطهيره عرقيًّا، وفرض عقوبات جماعية. إن هذه السياسة لن تنفع كيان الاحتلال ما سينفعه هو إنهاء احتلاله بالكامل وفق القرارات الدولية وعلى رأسها حق العودة. ■