يقول الله تعالى:)فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين( )آل عمران ـ 159)، ويقول تعالى:(وعلى الله فتكلوا إن كنتم مؤمنين) (المائد ـ 23).
التوكل على الله هو جماع الإيمان كما قال سعيد بن جبير، وهو أس الإسلام، فمن من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أراد أن يكون ناجحًا فليتوكل على الله، ومن أراد أن يكون موفقًا فليتوكل على الله، فيا ترى ما حقيقة التوكل على الله تعالى؟.
التوكل على الله تعالى حقيقته وجوهره ومضمونه هو الأخذ بالأسباب الشرعية المتاحة والممكنة، مع الاعتماد على الله تعالى، وتفويض الأمر إليه سبحانه، والثقة به تبارك وتعالى في تحقيق النتائج والغايات والأهداف والتطلعات؛ فالتوكل فاعلية وحركة وسعي، لا دَعَة وخلود وكسل، فمن الإنسان الحركة والسعي ومن الله البركة والتوفيق. الإنسان مأمور بالحركة والسعي، والله تعالى بيده مقاليد الأمور، فبيده تعالى البسط والقبض، والعطاء والمنع، والإبرام والنقض. على أن الدعاء من أهم أسباب التوكل، فالدعاء سلاح المؤمن وعدته في السراء والضراء يقول الله تعالى:(أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (النمل ـ 62)، ويقول تعالى:(وقال ربكم ادعوني استجب لكم) (غافر ـ 60)، ويقول تعالى:(وإذا سألك عبادي عني فإن قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا به لعلهم يرشدون) (البقرة ـ 186).
وقد يفهم البعض من قول الله تعالى:(ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق 2 ـ 3)، أن الله يرزق من غير أخذ بالأسباب.
وأقول: نعم لا ريب أن الله تعالى على كل شيء قدير، فإذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، فالله تعالى لا يحتاج إلى أسباب لتحقيق ما يريد، فهو مسببها، لكنه تعالى أوجد الأسباب وهيئها لخلقه وأمرهم بالأخذ بها؛ ليمتثلوا له، وليشعرهم بضعفهم وعجزهم، وافتقارهم واحتياجهم إليه سبحان وتعالى.
إن فهم البعض للآية المذكورة يجب أن يصحح، إذ إن تقوى الله من الأخذ بالأسباب بل هي مقدمة الأخذ بالأسباب، فتقوى الله هي الدافعة والمحركة للأخذ بالأسباب الأخرى، ومن هنا قال الله تعالى في الآية نفسها {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعله الله لكل شيء قدرًا} وتقديم تقوى الله على التوكل عليه سبحانه وتعالى دليل على أهمية التقوى، فهو من باب تقديم الخاص على العام لأهمية الخاص.
والقرآن يفسر بعضه بعضًا فقد الله تعالى في شأن المتقين:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله واستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (آل عمران 133 ـ 135).
عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطانًا)، أي أنها تخرج في الصباح من أوكارها جياعًا تبحث عن الطعام والماء، وتعود في المساء شباعًا قد امتلأت بطونها. لاحظ عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى ـ أناسًا من أهل اليمن قابعين في المسجد، فسألهم ذات يوم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتكلون، أو المتواكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض ويتوكل على الله وقال: السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما: وكان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون: نحن متوكلون، فيسألون الناس، فأنزل الله:(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة ـ 197).
يا عبد الله أسأل نفسك: إذا أردت أن تكون لك ذرية فماذا تفعل؟ وإذا أردت أن تكون لك ثروة ومالاً فماذا تفعل؟ وإذا أردت علمًا وتفوقًا في الدراسة فماذا تفعل؟ وإذا أردت شفاءً من مرض فماذا تفعل؟ أتقبع في بيتك وتظل في ساكنًا مكانك؟ أم أنك تأخذ بالأسباب؟
لاشك أنك تأخذ بالأسباب وتعتمد على الله تعالى في تحقيق ذلك؛ فمن أراد الذرية، فعليه بالزواج، ويدعو الله تعالى ويعتمد عليه في تحقيق ذلك، ومن أراد الثروة والمال، فعليه بالسعي والعمل، ويدعو الله تعالى ويعتمد عليه في تحقيق ذلك، ومن أراد الشفاء والعافية، فعليه بالعلاج والتداوي، ويدعو الله تعالى ويعتمد عليه في تحقيق ذلك، ومن أراد العلم والتفوق فيه، فعليه بالجد والاجتهاد، ويدعو الله تعالى ويعتمد عليه في تحقيق ذلك، وهكذا في بقية الأمور .. وللحديث بقية.
يوسف بن ابراهيم السرحني