زهير ماجد
هي المسخرة بعينها أن يدين رجل مدان بوطنيته وبالخيانة العظمى، فنانين صاحبي موقف وطني لا غبار عليه وهما دريد لحام ورغدة، دون أن ننسى فنانين سوريين آخرين لهم موقف لحام ورغدة ذاته.
من المضحك والمثير للسخرية أن نسمع حكما ينطبق على قائله، وهو المحرض على القتل وعلى إنشاء قوى مسلحة وجمعيات تبشر بالموت والسرقة وإعدام الناس … هذا الموقف ليس جديدا من أهل الإرهاب وفكره، ففي العام 1965 أصدر “الإخوان المسلمون” في مصر قرارا بقتل ام كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وآخرين لممارستهم الغناء والفن .. وبعده بأعوام تعرض الروائي العالمي نجيب محفوظ لسكين من صنف هؤلاء أنفسهم كاد أن بودي به إلى الموت، وعندما تسلم “الإخوان” الحكم في مصر طالب أحد نوابهم في البرلمان بتغطية كل الآثار المصرية وخصوصا أبو الهول، في وقت شعر فيه العديد من الفنانين في شتى قطاعاتهم بالخطر على حياتهم فبادروا إلى إعلاء صوتهم تحسبا … لا بل والجرح ما زال ساخنا، كيف دمر الإسلامويون آثار العراق وسوريا وليبيا، وما زالوا يمنون النفس بتدمير المزيد وخصوصا من الآثار الإسلامية، وصياغة أحكام مدمرة لمعنى الثقافة والفن، بعد الهجوم على إنسان المكان بتفريغه من كل قيمة إنسانية ومعاملته معاملة الحيوان.
هذا الهجوم الإرهابي اللابس لباس إسلام بريء منه، لا يشكل فقط خطرا على قيم الإسلام وحضارته النضرة وطقوسه ومفاهيمه، بل على كل مسلم بما له من تاريخ معروف عاشه أكثر من ألف وأربعمئة سنة وركن فيه إلى حضارة كانت إشعاعا ساهمت في إغناء حتى حضارة الغرب وفي تقدمها، وهو اعتراف العديدين من مفكريها ومستشرقيها.
نحن في أصعب فترات الأمة وفي أشد أوقاتها انحطاطا، فإضافة للأخطار المحدقة بالأقطار العربية سكانا ووجودا، هنالك هجوم بربري على الفهم الاجتماعي للمجتمعات العربية التي عاشت دون منغصات ودون تحديات لقيمها التي توارثتها أبا عن جد .. إضافة إلى ما يعنيه هذا الهجوم من اقتلاع لثقافة حرة متجانسة ومشكلة من مفاهيم متعددة، إلى فرض نمط جديد مفروض بقوة السلاح لا يمت بصلة إلى أية ثقافة كانت، سواء موجودة اليوم أو حاضرة عبر العصور.
“ثقافة” الإرهاب خلاصة فهم بربري في حكم الشعوب، فلا أهمية لها لكتاب كما فعل كل البرابرة الذين غزوا منطقتنا فقاموا أولا بتدمير مكتباتها، وأحلوا مكانها فراغهم وخواءهم وبربريتهم المستمدة من حد السيف وحده. وخير دليل هو ما نقرأه أو ما سمعناه من سكان مناطق خاضعة للإرهاب عن الكيفية التي يتم فيها حكم الناس، وعن الأسلوب الصهيوني الممارس والقائم على فكرة الصدمة والترويع لكي يهز اركان المجتمع فيستسلم خوفا للواقع الجديد.
طويلة مهمة الإرهاب في حياتنا، وحتى الخلاص منه، سنخرج مثخنين بجراح هائلة أقلها تأخر خطير في معنى مجتمعاتنا، وفي ثقافتنا وفننا، وفي علاقاتنا الوطنية والأسرية والعائلية، وفي مستقبل أجيالنا، وفي إحساسنا بإمكانية العيش على أرض الآباء والأجداد .. بمعنى أن كل شيء قابل للخراب، وليس البناء وحده.