النفخ الأميركي ـ الغربي في قربة مكافحة الإرهاب سيبقى دون طائل، ومعه سيبقى أي حديث عن المواجهة العالمية الموحدة للإرهاب مجرد تمنيات، فلا يزال الإرهاب في المقاربة الأميركية ـ الغربية هو ذاته حين أنتجته قوى الاستعمار قديمه وجديده وحين سوَّقته، أو عندما اعتمدته منهجًا وأداةً لتنفيذ أجنداتها التي عجزت عن تحقيقها وإنجازها بالقوة الخشنة المتمثلة في التدخل العسكري المباشر، وبالهيمنة والضغط والابتزاز، حيث بات المتابع للسياسات الأميركية والغربية أمام فرز صادم للعقل والمنطق، ومثير للسخرية والضحك، تمثل في إرهاب “متطرف وسيئ” يجب محاربته، وإرهاب “معتدل وجيد” يجب مساعدته وتبنيه، مع أنهما (السيئ والمعتدل) خادمان للمشاريع الأميركية والغربية، ولا يزالان يواليان تحقيق الأجندة والأهداف وفق المبتغى والمخطط.
ووفق هذا الفرز فإنه يبدر هنا سؤال مهم وهو: هل الإرهاب الإسرائيلي يقع ضمن هذا الفرز؟ وإذا كان كذلك فإنه دون شك يقع في خانة الإرهاب “المعتدل والجيد” بدليل حجم المساعدات العسكرية والمالية الهائلة وغير المسبوقة التي تغدقها عليه الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتحالفة معه والعميلة له، فضلًا عن الدعم السياسي الكبير المتمثل في كمية “فيتو النقض” في مجلس الأمن الدولي، واعتبار جرائم الحرب التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل “دفاعًا عن النفس”.
على أن الأهم حيال ذلك، وأيًّا كانت التوصيفات للإرهاب، سواء الإرهاب الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة أو شقيقه ونظيره داخل سوريا وليبيا والعراق ومصر وتونس والجزائر وغيرها، هو ناتج هذا الإرهاب من الكوارث والمآسي والنكبات بحق الشعوب العربية المكتوية بناره، حيث تتصدر المشهد حاليًّا كارثتان إنسانيتان من بين جملة الكوارث التي لا يزال هذا الإرهاب يعمق جراحها، ويوغل فيها، ألا وهما الأسرى الفلسطينيون الغارقون في جحيم الإرهاب الإسرائيلي والمطوقون به، واللاجئون الهاربون من جحيم الإرهاب المدعوم أميركيًّا وغربيًّا وإقليميًّا.
ففي الوقت الذي تتفرد فيه الساحة الفلسطينية بمشاهد الخلاف التي لا تسر صديقًا وتشهد بين الفينة والأخرى تصاعدًا في التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة بين حركتي فتح وحماس، وتتفرد كذلك برحلات التطبيع المجاني أو خطب ود المحتل الإسرائيلي، يواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي سياسته العنصرية الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني والتنكيل بهم، وفي مقدمته أولئك الأسرى الذين تعج بهم سجون الاحتلال والذين ترتفع أعدادهم يوميًّا بصورة ملحوظة، دون جرم أو تهمة سوى تهمة عارية عن أي مصداقية؛ وهي أن هؤلاء المعتقلين يهددون الكيان المحتل وأمن قطعان مستوطنيه، والجميع يعلم أنها كذبة توظف ديمغرافيًّا، وذلك بهدف ضمان التفوق العددي لقطعان المستوطنين، حيث تتعدد الصور والأساليب العنصرية التي يتبعها كيان الإرهاب الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني من الناحية الديمغرافية. ويبدو أن كيان الاحتلال الإسرائيلي بدأ يستشعر العبء الذي يمثله هؤلاء الأسرى ما جعله ينتقل إلى التخلص منهم عبر القتل البطيء، وإهمال علاجهم، أو استخدامهم في تجارب بالمختبرات لاختبار أمصال وفيروسات، وسرقة أعضائهم، لأن قيام الاحتلال الإسرائيلي بإجراء محاكمات عادلة لهؤلاء الأسرى سيعني براءتهم وبالتالي يعني خروجهم إلى الحياة من جديد، وخروج الآلاف من الأسرى الفلسطينيين من شأنه أن يحدث دورة حياة جديدة بالتناسل والتكاثر، ما يتعارض مع الهدف الرئيسي من اعتقالهم.
على الجانب الآخر، لم تختلف سياسة التهجير والتشريد للسوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم عن الهدف الديمغرافي الإسرائيلي من شن حملات اعتقال الفلسطينيين، وذلك بتحقيق هدفين هما خفض نسبة سكان الدول العربية المستهدفة وهي سوريا والعراق وليبيا إلى ما دون العدد الكلي لقطعان المستوطنين في فلسطين المحتلة، والهدف الآخر يستدعيه مخطط التقسيم، حيث عملية تهجير المدنيين ـ كما هو الحال في سوريا والعراق ـ يراد منها تسهيل نجاح المخطط.
الأمم المتحدة ـ على هامش الدورة الحادية والسبعين لجمعيتها العامة في نيويورك ـ عقدت مؤتمرًا حول اللاجئين بحضور خمسين دولة، بعد يوم واحد من تبني الجمعية العامة بكامل أعضائها الـ193 خطة شاملة لمواجهة أزمة اللاجئين المتفاقمة، بوصول أعدادهم إلى أرقام قياسية منذ الحرب العالمية الثانية تجاوزت 65 مليون نسمة، جراء الحروب والنزاعات والاضطهاد والفقر. ورغم أن هذه الخطة تزامنت مع “اليوم العالمي للسلام”، إلا أنها أخفقت في إيجاد الحلول الصحيحة والجريئة للأزمة، واقتصرت على شعارات عامة، مثل التشديد على “احترام الحقوق الأساسية للمهاجرين واللاجئين”، وفتح الأبواب أمامهم، وحصول الأطفال المهاجرين واللاجئين على التعليم، ومكافحة تهريب البشر والاتجار بهم، والتصدي لحملات الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين وغيره. لكنها في المقابل لم تتحل بالشجاعة بوضع الإصبع على الجرح، وتحميل مسؤولية هاتين الكارثتين الإنسانيتين للولايات المتحدة والدول الغربية المتحالفة معها من خلال دعمها للإرهاب الإسرائيلي والإرهاب التكفيري، فهذه الدول تعد هي المتسبب الأوحد فيهما.